حليم أهل البيت (ع)
الشيخ عبدالله اليوسف - 15 / 10 / 2018م - 2:08 م

الحلم خُلُق من أخلاق الإسلام، وهو من مكارم الأخلاق، وأعز الخصال، وأجمل الصفات، وأشرف السجايا، وأنفع الأعمال في جلب المودة والمحبة والألفة.

وقد ذكر الحلم في القرآن الكريم نحو عشرين مرة في سور متعددة، وقد مدح الله تعالى الحلماء والكاظمين الغيظ، وأثنى عليهم كما في قوله تعالى: ﴿وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [1] ، وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً [2] .

تعريف الحلم

عرّف الراغب الأصفهاني الحلم بأنه: ضبط النفس والطبع عند هيجان الغضب[3] .

وقد عرّف العلماء فضيلة الحلم بأنها حالة يظهر معها الوقار والثبات عند الأسباب المحركة للغضب، أو الباعثة على التعجل في العقوبة. وعرفوه كذلك بأنه حبس النفس حتى تخضع لسلطان العقل، وتطمئن لما يأمرها به.

وقد يعبر بعض الباحثين في الأخلاق عن الحلم بأنه (ضبط النفس)، وهذا غير بعيد عن الصواب، لأن ضبط النفس هنا يعني إخضاع قوتها الغضبية لسلطة العقل المفكر المدبر، وهذا هو مضمون الحلم، فعلى الرغم من أن الحليم قد سمع أو رأى أو علم ما يثير غضبه نراه متحلياً بالهدوء وضبط النفس[4] .

فالحلم إذن هو ضبط النفس تجاه مسببات ومثيرات الغضب، والتحكم الإيجابي في الانفعالات الناتجة من حالة الغضب والهيجان، ولذلك اعتبر الإمام الحسن أن الحلم زينة يتزين به الإنسان، حيث قال: «اعلموا أن الحلم زينة»[5] .


حلم الإمام الحسن

اشتهر الإمام الحسن بالحلم حتى لقب بـ(حليم أهل البيت) لكثرة حلمه، وعدم انفعاله، وقدرته العجيبة على ضبط النفس ضد مهيجات الغضب.

ورغم ما عاناه الإمام الحسن من أعدائه الذين شنوا عليه حملات تشويه لشخصيته ومكانته، وما واجهه من أصحابه بعد صلحه مع معاوية من ألفاظ وأقوال غير لائقة أن يقال مثلها لإمام معصوم إلا أن حلمه قد أذهل الجميع.

فهذا مروان بن الحكم المعروف بعدائه للإمام ، يقر بأن حلمه يوازن الجبال.

تقول نص الرواية: لَمّا ماتَ الحَسَنُ بنُ عَلِيٍّ عليه السّلام أخرَجوا جِنازَتَهُ، فَحَمَلَ مَروانُ سَريرَهُ، فَقالَ لَهُ الحُسَينُ عليه السّلام: أتَحمِلُ سَريرَهُ؟ أما وَاللَّهِ لَقَد كُنتَ تُجَرِّعُهُ الغَيظَ.

فَقالَ مَروانُ: إنّي قَد أفعَلُ ذاكَ بِمَن يُوازِنُ حِلمُهُ الجِبالَ[6] .

 

شواهد من حلم الإمام الحسن

كان الإمام الحسن بن علي معروفاً بسعة الحلم، فكان آية في الحلم، وعظيم الأخلاق، وجميل تعامله حتى مع أعدائه؛ وإليكم بعض القصص والشواهد الدالة على ذلك:

1- أجزل له في العطاء وأعتقه:

كان عبداً للإمام الحسن ، وتعمد الإساءة للإمام، بهدف إدخال الهم والغم إلى قلبه، لكن الإمام يقابل تلك الإساءة بالإحسان إليه، فيعتقه ويجزل له في العطاء!

إذ وجد الإمام الحسن شاة عنده قد كسرت رجلها فقال لغلامه:

- «من فعل هذا بها؟».

قال الغلام: أنا.

قال الإمام: «لمَ ذلك؟».

قال الغلام: لأجلب لك الهم!

فتبسم الإمام وقال له: «لأسرنك، فأعتقه، وأجزل له في العطاء»[7] .

2- يلعن الإمام وهو لا يرد:

روى المبرّد، وابن عائشة أنّ شاميّاً رآه راكباً فجعل يلعنه والحسن لا يردّ فلمّا فرغ أقبل الحسن فسلّم عليه وضحك فقال:

«أيّها الشّيخ أظنّك غريباً ولعلّك شبّهت؛ فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا أحملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك،   وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنيناك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرّكت رحلك إلينا وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً وجاهاً عريضاً ومالاً كثيراً».

فلمّا سمع الرّجل كلامه، بكى ثمّ قال: «أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليَّ والآن أنت أحبّ خلق الله إليَّ وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم»[8] .

 3- من حاقد إلى محب:

روى ابن عائشة قال: دخل رجل من أهل الشّام المدينة فرأى رجلاً راكباً بغلة حسنة، قال: لم أر أحسن منه، فمال قلبي إليه فسألت عنه؟

فقيل لي: أنّه الحسن ابن عليّ بن أبي طالب ( عليهما السلام )،  فامتلأ قلبي غيظاً وحنقاً وحسداً أن يكون لعليّ ولد مثله فقمت إليه فقلت أنت ابن عليّ بن أبي طالب؟
 
فقال: أنا ابنه.

فقلت: أنت ابن من، ومن ومن؟ وجعلت اشتمه وأنال منه ومن أبيه، وهو ساكت حتّى استحييت منه فلمّا انقضى كلامي، ضحك وقال:

أحسبك غريباً شاميّاً؟

فقلت: أجل.

فقال: فمل معي إن احتجت إلى منزل أنزلناك، وإلى مال أرفدناك وإلى حاجة عاوّناك.

فاستحييت منه وعجبت من كرم أخلاقه، فانصرفت وقد صرت أحبّه ما لا أحبّ أحداً غيره[9] .

4- يشتمه لأنه ابن علي:

قال الخوارزميّ: قال رجل من أهل الشّام قدمت المدينة بعد صفّين فرأيت رجلاً حضرنا فسألت عنه فقيل الحسن بن عليّ [ ( عليهما السلام ) ] فحسدت عليّاً أن يكون له ابن مثله فقلت له أنت ابن أبي طالب؟!

قال: أنا ابنه.

فقلت له: بك وبأبيك فشتمته وشتمت أباه وهو لا يردّ شيئاً.

فلمّا فرغت أقبل عليَّ، قال: أظنّك غريباً ولعلّ لك حاجة فلو استعنت بنا لأعنّاك، ولو سألتنا لأعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك.

قال الشّامي: فوليّت عنه وما على الأرض أحد أحبّ إليَّ منه فما فكّرت بعد ذلك فيما صنع وفيما صنعت إلاّ تصاغرت إليَّ نفسي[10] .

5- أنت حر لوجه الله:

روي أن غلاماً للإمام الحسن جنى جناية توجب العقاب عليه فأمر به أن يضرب.

فقال: يا مولاي ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ.

قال: خلوا عنه.

فقال: يا مولاي ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ .

قال: قد عفوت عنك.

قال: يا مولاي ﴿وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [11] .

قال: أنت حر لوجه الله، ولك ضعف ما كنت أعطيك[12] .

وتدل هذه القصص والشواهد على سعة حلم الإمام الحسن ، وقدرته الفائقة على ضبط انفعالاته ومشاعره، مما جعل حلمه مضرب الأمثلة، ومنال إعجاب كل من عاصره وجالسه.

وقد أراد الإمام الحسن بذلك أن يحول الحلم من صفة فردية أخلاقية حميدة إلى منهج اجتماعي عام، لتعزيز روح التسامح الاجتماعي، والقضاء على مولدات اللاتسامح والتشنج والانفعال التي تحدث بسبب اختلاف المصالح، وتضارب الآراء، وتنازع النفوذ، وتضارب المواقف.

 

 

الهوامش:

[1] سورة آل عمران، الآية: 134.

[2] سورة الفرقان، الآية: 63.

[3] المفردات في غريب القرآن، الراغب الأصفهاني، دار المعرفة، بيروت – لبنان، الطبعة الثالثة 1422هـ - 2001م، ص136.

[4] موسوعة أخلاق القرآن، د. أحمد الشرباصي، دار الرائد العربي، بيروت – لبنان، الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م، ج1، ص182.

[5] كنز العمال: ج 16، ص 269، ح 44400.

[6] أنساب الأشراف: ج 3 ص 300، سير أعلام النبلاء: ج 3 ص 276، مقاتل الطالبيّين: ص 76، شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ج 16 ص 13 و ص 51؛ بحار الأنوار: ج 44 ص 145 ح 13.

[7] موسوعة سيرة أهل البيت: الإمام الحسن بن علي ، الشيخ باقر شريف القرشي، ج 10، ص 100، نقلاً عن كتاب: مقتل الحسين للخوارزمي، ج 1، ص 147.

[8] بحار الأنوار، ج 43، ص 107. مناقب آل أبي طالب: ابن شهر آشوب، ج 3، ص 184.

[9] كشف الغمة، ج 2، ص 183.

[10]  شرح إحقاق الحق، السيد المرعشي النجفي، ج 11، ص 118.

[11] سورة آل عمران، الآية: 134.

[12] بحار الأنوار، العلامة المجلسي، ج 43، ص 352، رقم 29. وجاء في البحار أيضاً مثل هذه القصة عن الإمام الحسين ، ج 44، ص 195، رقم 9.
اضف هذا الموضوع الى: