الإمام الهادي (ع) والعطاء العلمي
الشيخ عبدالله اليوسف - 13 / 5 / 2013م - 1:10 م

الإمام علي الهادي ( 212هـ ـ 254هـ ) هو الإمام العاشر من أئمة أهل البيت   وقد كان له أدوار مختلفة ساهمت في إثراء الفكر الإسلامي، وتعميق المفاهيم الإسلامية، وتوضيح آراء مدرسة أهل البيت في كل الأبعاد العقدية والفكرية والعلمية والفقهية والثقافية والأخلاقية.

وقد أظهر الإمام الهادي   من المعارف والعلوم ما أبهر العقول، وحَيَّر العلماء والفقهاء، بما يدل على صدق إمامته، وسعة علومه ومعارفه، وقد أجاب الإمام الهادي عن أعقد المسائل العَقَدية والفكرية والعلمية، كما فَنَّد الآراء الخاطئة، والنظريات الباطلة، وقد كان لآرائه العلمية والكلامية والفكرية دور مهم في تعميق المعارف الإسلامية، وتوضيح الثقافة الإسلامية الأصيلة.

وفي عصر الإمام الهادي   انتشرت المدارس الكلامية الكبرى كالأشاعرة والمعتزلة، وقد ساد الجدال بينهما في العديد من النظريات والآراء الكلامية والفكرية، وتناول النقاش والجدال الكثير من المسائل العقائدية المهمة كالجبر والتفويض، والقضاء والقدر، وإمكانية رؤية الله تعالى من عدمها، وغيرها من المسائل العقائدية.

وفي ظل هذا الجدال المحتدم بين المدارس الكلامية كان للإمام الهادي   دور مهم في بيان الآراء العقائدية الصحيحة، حتى لا ينخدع الناس بالآراء غير الصحيحة، أو يقعوا ضحايا للنظريات المنمقة ولكنها تخلو من الرؤية العقائدية الحقة.

كما تصدى الإمام الهادي   بقوة لكل انحراف مهما كان لونه وشعاره وعنوانه، وحذر أصحابه وأتباعه وشيعته  من التأثر بالفرق الضالة والمنحرفة، وإن كانت تدعي الدفاع عن التشيع والشيعة والإمامة كالغلاة الذين استغلوا اسم أهل البيت ومحبة المسلمين لهم في تمرير أفكارهم المنحرفة واعتقاداتهم الباطلة.

وبفضل جهاد أئمة أهل البيت ، ودفاعهم عن العقائد الحقة وصل إلينا اليوم العقائد صافية ونقية من انحرافات المنحرفين، وتأويلات المتأولين، وبدع المبتدعين، وما كان ذلك ليتحقق لولا دفاع الأئمة   عن الصورة الصحيحة للعقائد والمفاهيم الإسلامية الأصيلة.

كما أن توضيح مسائل الحلال والحرام للناس، وتثقيف الناس بالثقافة الفقهية من أبرز أدوار أئمة أهل البيت ، ومنهم الإمام الهادي   الذي قام بتوضيح العديد من الآراء الفقهية لمدرسة أهل البيت؛ بل إن بعض الخلفاء العباسيين كانوا يلجؤون للأئمة   عندما لا يجدون جواباً، أو لا يحصلون على الدليل المقنع.

 ومن الأمثلة على ذلك أنه قُدّم إلى المتوكل رجل نصراني فجر بامرأة مسلمة، فأراد أن يقيم عليه الحد، فأسلم ذلك الرجل، فقال يحيى بن أكثم: الإيمان يمحو ما قبله، وقال بعضهم يضرب ثلاث حدود، وقال بعض آخر قولاً آخر.

دفع هذا الاختلاف في الفتوى المتوكل إلى أن يكتب إلى الإمام الهادي يستفتيه ويسأله عن الحكم؟

فقال الإمام: (( يُضرب حتى يموت )).

فأنكر الفقهاء ويحيى بن أكثم ذلك وقالوا: لم يرد هذا في آية أو رواية، وطلبوا من المتوكل أن يكتب إليه يسأله عن العلة والدليل.

فأجاب الإمام بعد البسملة: ﴿فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ * فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ [1]  .

فقبل المتوكل استدلال الإمام وأمر بضربه [2] . 
 

وقد أفهمهم الإمام الهادي بذكره لهذه الآية الشريفة أنّه كما أن إيمان المشركين لما رأوا البأس الشديد ﴿لم يَنفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لأنه لم يكن عن قناعة وحقيقة صادقة، كذلك إسلام هذا المسيحي لا يسقط الحد عنه.

 وفي الجانب العلمي أجاب الإمام الهادي   على أعقد المسائل العلمية والتساؤلات العويصة، وكان بعضها للامتحان أو للإحراج، لكن غاب عن هؤلاء السائلين أن الأئمة هم منابع العلم، ومناهل المعارف، وأن الدخول معهم في اختبارات علمية يعود بالعكس، حيث يتألق أهل البيت علمياً، ويخفت نجم مناظريهم، ومن هذه الاختبارات العلمية التي سعى المتوكل فيها لإحراج الإمام الهادي   ما رواه ابن شهر آشوب أنه قال المتوكل لابن السكيت: اسأل ابن الرضا مسألة عوصاء بحضرتي. فسأله، فقال: لم بعث الله موسى بالعصا وبعث عيسى بإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، وبعث محمداً بالقرآن والسيف؟

فقال أبو الحسن : بعث الله موسى بالعصا واليد البيضاء في زمان الغالب على أهله السحر، فأتاهم من ذلك ما قهر سحرهم وبهرهم وأثبت الحجة عليهم، وبعث عيسى بإبراء الأكمة والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله في زمان الغالب على أهله الطب فأتاهم من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى بإذن الله فقهرهم وبهرهم.

وبعث محمداً بالقرآن والسيف في زمان الغالب على أهله السيف والشعر فأتاهم من القرآن الزاهر والسيف القاهر ما بهر به شعرهم وقهر سيفهم وأثبت الحجة عليهم.

فقال ابن السكيت: فما الحجة الآن؟

قال: العقل يعرف به الكاذب على الله فيكذب.

فقال يحيى بن أكثم: ما لابن السكيت ومناظرته؟! وإنما هو صاحب نحو وشعر ولغة، ورفع قرطاساً فيه مسائل فأملى علي بن محمد   على ابن السكيت جوابها [3] .

وهكذا أجاب الإمام الهادي    بصورة وافية وشافية على هذه الأسئلة وغيرها مما أبهر يحيى بن أكثم، وجعله ينصح المتوكل بعدم تقديم أية أسئلة أخرى إلى الإمام الهادي ؛ لأن ذلك سيظهر العلم الغزير للإمام مما يقوّي ثقة الناس به، والتفافهم حوله، والتأثر بشخصيته! إلا أن كل محاولات الإقصاء والمحاصرة لم تنجح عن التفاف الناس في مختلف الأقاليم الإسلامية حول  قيادة وشخصية الإمام الهادي

 


 


 

[1]  سورة غافر، الآيتان/ 84-85.
[2]  انظر فروع الكافي، الشيخ الكليني، باب ما يجب على أهل الذمة من الحدود، ج5، ص 257، رقم 2.
[3 ]  مناقب آل أبي طالب، ابن شهر آشوب، دار الأضواء، بيروت ـ لبنان، الطبعة الثانية 1412هـ ـ 1991م، ج4، ص 434.
اضف هذا الموضوع الى: