حسن الظن وتنمية العلاقات الاجتماعية
الشيخ عبدالله اليوسف - 6 / 11 / 2025م - 11:45 ص

حسن الظن من أفضل السجايا الأخلاقية، وأحسن المزايا، وأجزل العطايا، وأقوى الهدايا المعنوية؛ وعلى الإنسان أن يُحسن الظن بمن حوله، وبإخوانه المؤمنين؛ حتى يحافظ على سلامة دينه، ويحوز على محبة الناس من حوله، ويريح قلبه.

ولحسن الظن كثير من الآثار الإيجابية سواء على صعيد الأفراد أم المجتمعات، وتنمية العلاقات البينية بين الناس، وقد حثَّ الإسلام على التحلي بحسن الظن تجاه المؤمنين، وحمل عمل المؤمن على الخير، وتجنب سوء الظن، واجتناب الظنون السيئة التي لا دليل قاطع عليها.

فقد روي عن رسول الله قوله: «اطلُبْ لأِخِيكَ عُذرًا، فَإنْ لَم‏ تَجِدْ لَهُ عُذرًا فَالتَمِسْ لَهُ عُذرًا»[1] ، وعن أمير المؤمنين : «لا تَظُنَّنَّ بكَلِمَةٍ خَرَجَت مِن أحَدٍ سُوءًا وأنتَ تَجِدُ لَها في الخَيرِ مُحتَملًا»[2] )، وهذا يعني حمل أي فعل أو قول على الخير، والبحث عن عذر أو احتمال يؤول الكلام أو الفعل على محمل الخير، وتغليب حسن الظن على سوئِه.

ويحذر القرآن الكريم من سوء الظن، ويدعو إلى اجتنابه حذرًا من الوقوع في الإثم والمعصية، يقول الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[3] ، فكل ظن سيِّئ يترتب عليه قول أو فعل يؤدي إلى الوقوع في الإثم والمعصية، وليس مجرد الظن القلبي الخالي من أي أثر، لأن ذلك لوحده ليس من اختيار الإنسان، أما ترتيب الأثر عليه فهو باختياره وإرادته.

وروي عن رسول الله تحذيره الشديد أيضًا من سوء الظن؛ لأنه من أكذب الحديث، فيقول : «إيّاكُم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الحَديثِ»[4] ، وعنه قال: «إيّاكُم والظَّنَّ؛ فإنَّ الظَّنَّ أكذَبُ الكَذِبِ»[5] .

ويرى أمير المؤمنين أن سوء الظن يفسد العبادة، كما يقول : «إيّاكَ أن تُسِي‏ءَ الظَّنَّ؛ فإنّ سُوءَ الظَّنِّ يُفسِدُ العِبادَةَ»[6] ، كما أن سوء الظن يفسد الحياة، ويبعث على الشرور والفتن، ولذلك قال أمير المؤمنين : «سُوءُ الظَّنِّ يُفسِدُ الأمورَ ويَبعَثُ على الشُّرورِ»[7] ، وعنه قال: «شَرُّ الناسِ مَن لا يَثِقُ بِأحَدٍ لِسُوءِ ظَنِّهِ، ولا يَثِقُ بهِ أحَدٌ لِسُوءِ فِعلِهِ»[8] .

أقسام سوء الظن

ينقسم سوء الظن إلى ثلاثة أقسام رئيسة، وهي:

1- سوء الظن بالله: وهو من أكبر الكبائر، فقد روي عن رسول الله قوله: «أكبَرُ الكبائرِ سُوءُ الظَّنِّ بِاللَّهِ»[9] ، بينما حسن الظن بالله تعالى من العبادة؛ فقد روي عن رسول الله قوله: «حُسنُ الظَّنِّ بِاللَّهِ مِن عِبادَةِ اللَّهِ تعالى‏»[10] ، وقوله : «لا يَمُوتَنَّ أحَدُكُم حَتّى‏ يَحسُنَ ظَنُّهُ بِاللَّهِ عَزَّ وجلَّ؛ فإنَّ حُسنَ الظَّنِّ بِاللَّهِ عَزَّ وجلَّ ثَمَنُ الجَنَّةِ»[11] .

2- سوء الظن بالناس: وهو محل الكلام في هذا المقال.

3- سوء الظن بالنفس: وهو أمر مرغوب ومطلوب حتى يحترس الإنسان من العُجب بنفسه، ويعمل على اتهام نفسه حتى يصلحها ويهذبها.

إياك وسوء الظن .. هذه زوجتي!

إلى جانب ما وصى به الإسلام من حسن الظن، أوصى بالتنكب عن مواقع التهم، لكون سوء الظن من المهلكات، فقد منع الشرع من التعرض للتهمة، صيانة لنفوس الناس عنه، فقد روي عن رسول الله : «اتقوا مواقع التهم»[12] ، وعن أمير المؤمنين قال: «مَنْ عَرَّضَ نَفْسَه لِلتُّهَمَةِ فَلَا يَلُومَنَّ مَنْ أَسَاءَ بِه الظَّنَّ»[13] .

وفي قصة معبرة، ولإبعاد الشك والتهمة وتجنب سوء الظن ما روي من قصة النبي مع أحد الأنصار، حيث أوضح له أن المرأة التي كان يكلمها هي زوجته صفية، لئلا يسيء الظن به ، فقد روي: أن النبي كان يكلم زوجته صفية بنت حييّ ابن أخطب، فمر به رجل من الأنصار، فدعاه رسول الله، وقال: «يا فلان! هذه زوجتي صفية».

فقال: يا رسول الله! أفنظن بك إلا خيرًا؟

قال: «إن الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم، فخشيت أن يدخل عليك»[14] .

وتعبِّر هذه القصة عن دفع التهمة عن النفس، وتجنب سوء الظن، كما تعبِّر أيضًا بأن على المؤمن ألا يتسرع في الحكم على ظواهر الأشياء، ويسيء الظن بإخوانه المؤمنين، أو بأصدقائه المقربين، بل يحمل أفعالهم وتصرفاتهم على الصحة، وحسن الظن بهم.

الحاجة إلى حسن الظن

إن المجتمع بحاجة دائمًا إلى إشاعة ثقافة حسن الظن بين المكونات الاجتماعية المختلفة، وبين المؤمنين فيما بينهم، لما في ذلك من آثار إيجابية في تقوية العلاقات الأخوية بينهم، وإيجاد الأجواء الإيجابية في الوسط الاجتماعي العام، وإيجاد المناخ المناسب للتعايش والتسامح بين الناس.

أما سوء الظن فآثاره السلبية كثيرة ومدمرة؛ فكم فسدت من العلاقات بين الأصدقاء بسبب سوء الظن!

وكم تنكدت حياة أسر وعوائل بسبب سوء الظن!

وكم وجدت من الفتن والأحقاد والضغائن بسبب سوء الظن!

وكم تباعدت القلوب عن بعضها وتشاحنت النفوس فيما بينها بسبب سوء الظن!

وكم ... وكم ... من الآثار السلبية والمدمرة لوحدة المجتمع وتماسك الناس بسبب سوء الظن!

أما حسن الظن فهي القاعدة الإسلامية التي يدعو إليها الإسلام في بناء العلاقات بين المؤمنين، وفي تقوية أواصر المحبة والمودة بين الناس، وفي إشاعة الروح الإيجابية بين العاملين في خدمة المجتمع.

إن علينا دائمًا أن نغلِّب حسن الظن على سوء الظن، وحمل عمل المسلم على الصحة، والأخذ بصلاح الظاهر، والابتعاد عن الظنون السيئة، لأن بعضها إثم: ﴿إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ [15] .

الهوامش

[1] بحار الأنوار: 75/ 197/ 15.

[2] نهج البلاغة: الحكمة 360.

[3] [1]  سورة الحجرات: 12.

[4] سنن أبي داوود: 4/ 280/ 4917.

[5] بحار الأنوار: 75/ 195/ 8.

[6] غرر الحكم: 2709.

[7] غرر الحكم: 5575.

[8] غرر الحكم: 5748.

[9] كنز العمَّال: 5849.

[10]  الدرّة الباهرة: 18.

[11] بحار الأنوار: 70/ 385/ 46.

[12] جامع السعادات: محمد مهدي النراقي، ج 1، ص 253.

[13] الكافي: ج 8، ص 152، ح 137. عيون الحكم والمواعظ: ص 458.

[14] جامع السعادات: محمد مهدي النراقي، ج 1، ص 253.

[15] سورة الحجرات: 12.
اضف هذا الموضوع الى: