مؤكداً على أن شكر الله واجب عقلاً وشرعاً
الشيخ اليوسف: التواصل الاجتماعي مع الآخرين مصدر سعادة وابتهاج
الشيخ اليوسف أثناء إلقاء خطبته  للمصلين
الشيخ اليوسف أثناء إلقاء خطبته للمصلين

قال الشيخ الدكتور عبدالله أحمد اليوسف في خطبة عيد الفطر الأولى غرة شهر شوال 1444هـ الموافق 22 أبريل 2023م أن شكر الله سبحانه وتعالى على نعمه وآلائه واجب عقلاً وشرعاً، وهي من موجبات الزلفى والرضا عنده عزّ وجلّ، وسبب لمضاعفة نعمه ومنحه للشاكر الشكور.

وأضاف قائلاً: للشكر أثر عظيم في زيادة النعم وديمومتها، وأما كفران النعم وجحودها، والجهل بقيمها وأقدارها، وعدم شكر الله عليها فهي من موجبات غضب الله سبحانه وزوال النعم وانهيار الأمم، وقد أشار القرآن الكريم إلى هذه الحقيقة في قوله تعالى: ﴿وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ.

وتابع: حثّت النصوص الدينية على شكر الله تعالى، حتى يتخلق العبد بهذا الخُلُق العظيم، وهذه الصفة النبيلة؛ وإلا فإن الله سبحانه غني عن شكر عباده، وليس بحاجة إليهم؛ وإنما يمتحن عباده بذلك؛ فينظر من يشكر ومن يكفر، ثم إنهم هم المحتاجون لشكره حتى ينعم عليهم بالمزيد من النعم والمنح الإلهية، ويبارك لهم فيها، وحتى يفوزوا برضاه ومحبته ومغفرته في الآخرة.

وقال: ينبغي شكر كل نعمة بما يلائمها من صور الشكر؛ فشكر اللسان بحسن المقال واجتناب القول الفاحش والبذيء، وشكر العين بالنظر في المباحات وفي التأمل والاعتبار، وعدم النظر إلى ما حرّم الله، وشكر اليد باستعمالها في المباحات والطاعات وكفها عن الأذى والتعدي على الآخرين، وشكر العلم بالعمل به وتعليمه ونشره، وشكر المال بإنفاقه فيما يرضي الله سبحانه وعدم إنفاقه في المحرمات.

وأوضح أن أشكر الناس لله أشكرهم لخلقه؛ إذ أن شكر من يستحق الشكر هو شكر لله سبحانه، لما روي عن الإمام زين العابدينَ : «أشكَرُكُم للَّهِ أشكَرُكُم للناسِ» للتأكيد على شكر المحسنين؛ مع ملاحظة أن الشكر لله واجب عقلاً وشرعاً، ولغيره أمر راجح في نفسه ومطلوب عقلاً وأخلاقاً.

وأكد على أنه يأتي في طليعة من يستحقون الشكر بعد الله عزّ وجلّ هو شكر الوالدين، فهم أحق الناس بالشكر بعد شكر الخالق لفضلهما على أولادهم، وقد أكد القرآن الكريم على ذلك في قوله تعالى: ﴿... أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ.

وأشار إلى أن تقديم كلمات الشكر والثناء لكل من يعمل عملاً حسناً أمر مطلوب أيضاً لإظهار المشاعر الإيجابية تجاههم، وتشجيعهم على فعل المعروف، فتقديم الشكر للزوجة على ما تبذله في المنزل من أعمال بيتية يعزز لديها الحماس والاندفاع أكثر في خدمة زوجها وعائلتها، وتقديم الزوجة آيات الشكر والامتنان لزوجها الذي يتعب ويكدح لتوفير الكسب الحلال كي تعيش أسرته بكرامة وسعادة يدفعه أكثر لبذل المزيد من الجهد لتوفير المستلزمات والحاجات المنزلية.
    
وبيّن أن للشكر والثناء على أعمال الآخرين الحسنة تأثيراً إيجابياً في تحفيزهم نحو زيادة أعمالهم الحسنة وأفعالهم الجميلة؛ وأبدى أسفه لأن قسماً من الناس يعاني من الجفاف الأدبي في التعامل مع الآخرين، ويبخل عليهم بأدنى كلمة شكر أو تقدير، ويتعامل مع الناس وكأنهم قطعة من الأحجار أو الصخور!

ودعا إلى شكر العاملين في خدمة المجتمع، والمساهمين في تطويره، كأعضاء الجمعيات الخيرية، وكوادر الأعمال الدينية والتطوعية، والمساهمين في المشاريع والمبادرات الخيرية وغير الربحية وغيرها من أفعال المعروف؛ لأنه يعزز السلوك الإيجابي في المجتمع، ويحفز أهل المعروف على مضاعفة أفعال الخير والإحسان؛ بخلاف من يكثر من النقد السلبي لأي عمل خيري، ويطعن في أصحاب الأعمال التطوعية فإن ذلك يولّد حالة من السلبية والتشاؤم في الوسط الاجتماعي.

وختم خطبته الأولى بالقول: إن على المؤمن ألا ينتظر شكراً من أحد لأعماله الحسنة، وألا يكون دافعه شكر الشاكرين له ومدحهم له، بل أن يكون دافعه الأساس هو الإخلاص لله تعالى والحصول على الأجر والثواب، كما قال تعالى: ﴿إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا شُكُورًا فالعمل لوجه الله يجب أن يكون هو الأصل والدافع في سيرة الإنسان المؤمن، وليس البحث عن الشهرة والتفاخر أو المدح والثناء.

وفي الخطبة الثانية تحدث الشيخ اليوسف عن أهمية التواصل الاجتماعي مع الآخرين وخصوصاً في المناسبات المهمة كالأعياد قائلاً: من الأمور المهمة في حياة الإنسان التواصل مع الناس، والتفاعل الإيجابي معهم، وحضور مناسباتهم الاجتماعية العامة في الأفراح والأتراح، ومشاركتهم في السراء والضراء؛ فهذا التواصل الاجتماعي مع الآخرين مصدر من مصادر السعادة والسرور والبهجة والارتياح.

وأضاف: لأن الإنسان كائن اجتماعي بطبعه لا يمكنه الاستغناء عن التواصل مع بني جنسه، فهو يأنس بهم، ويأنسون به، ولذا لا يمكن أن يشعر أي إنسان بالراحة والسعادة لو تُرك يعيش لوحده حتى لو تمّ توفير كل المستلزمات الحياتية ووسائل الترفيه والراحة له، ولكنه حُرم من رؤية الآخرين والتواصل معهم.

وتابع: كلمة الإنسان مشتقّة من مادّة «أُنس» كما يقول اللغويون، فهو يأنس بمثله، ويشعر بالسعادة عندما يخالطهم ويجالسهم، والحاجة إلى الأُنس بالآخرين أمر بديهي وفطري، ولا يتحقق ذلك إلا عبر التواصل معهم والتآلف مع من يختلط بهم.

ولفت إلى أن الإنسان المنعزل عن الناس، والمنطوي على ذاته يعاني – غالباً- من اعتلالات نفسية واضطرابات باطنية وأمراض أخلاقية ومشاكل اجتماعية نتيجة انعزاله عن الآخرين، وابتعاده عن المجتمع، ويتحول بمرور الزمن إلى إنسان مستوحش ومتوحش، مما ينعكس سلباً على تصرفاته وسلوكياته وأخلاقياته.

وأوضح أنه في الماضي كانت الناس أكثر تواصلاً مع بعضهم البعض رغم بساطة الحياة، وشظف العيش، ومع ذلك كانوا أشد تقارباً، وأكثر انسجاماً، وأما اليوم فقد ساهمت بعض التحولات الحديثة على انخفاض روح التواصل الاجتماعي لصالح الاهتمامات الفردية الخاصة، وأمسى كل واحد منا مشغول بحاله وعائلته، ودائماً ما نسمع كلمة ( أنا مشغول ) للتبرير عن غيابه الاجتماعي أو عدم رغبته بالقيام بأي دور أو مسؤولية اجتماعية عامة.

وبيّن تأكيد التعاليم والوصايا الإسلامية على التواصل والتزاور والتعارف بين الناس، يقول تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا والتعارف لا يتم إلا عبر التواصل والتداخل مع الناس، ولذا قال الإمام علي - وهو على فراش الموت موصياً ولديه الحسن والحسين -: «عَلَيكُم يا بَنِيَّ بِالتَّواصُلِ وَالتَّباذُلِ  وَالتَّبارِّ، وإيّاكُم وَالتَّقاطُعَ وَالتَّدابُرَ وَالتَّفَرُّقَ» وعنه : «علَيكُم بالتَّواصُلِ والمُوافَقَةِ، وإيّاكُم والمُقاطَعَةَ والمُهاجَرَةَ» ووصية الإمام لأولاده وهو على فراش الموت بهذه الوصية الاجتماعية يؤكد أشد التأكيد على أهمية التواصل مع الآخرين في حياة الإنسان، وينهى أشد النهي عن التقاطع والتنافر والانعزال.

وقال الشيخ اليوسف إن للتواصل الاجتماعي علامات ومصاديق متعددة، ومنها: صلة الأرحام والأقارب، فالإنسان دائم التواصل والتزاور مع أرحامه هو إنسان اجتماعي، وأما قاطع الرحم فغالباً ما يكون منخفض الروح الاجتماعية، ويميل إلى الانعزال والانكفاء على الذات.

وأكد على أن من مصاديق وعلامات التواصل الاجتماعي: هو التزاور بين الناس، وزيارة الآخرين بين الفينة والأخرى في مجالسهم وديوانياتهم، خصوصاً في المناسبات الدينية كالأعياد والمناسبات الاجتماعية العامة كالزواج.

وشدد على أن من الأمور المهمة زيارة كبار السن، فهم يأنسون بزيارة أولادهم وأحفادهم وأرحامهم إليهم، وأما تركهم لوحدهم وعدم تفقد أحوالهم فيوحشهم، ويترك جروحاً غائرة لا تندمل في قلوبهم بسهولة؛ ومن المحزن حقاً ما نسمعه من تصرفات غير لائقة من قبل البعض، حيث يذهبون بكبير السن إلى دار العجزة ويضعونه عندهم، ثم يتركون زيارته أو السؤال عنه أو الاهتمام بأحواله، مما يسبب له آلاماً نفسية شديدة.

وقال: إذا كانت زيارة الآخرين أمراً راجحاً في حد نفسه؛ فمن الأولى زيارة الأرحام والأقارب، وخصوصاً كبار السن منهم.

ولفت إلى أن من مصاديق التواصل الاجتماعي أيضاً: هو المشاركة الحضورية في أفراح الآخرين كالزواج، وفي أتراحهم كموت قريب لهم، أو لا أقل مشاركتهم عبر الوسائل الحديثة كالهاتف النقال، أو تطبيقات التواصل الاجتماعي.

 وتابع: وكذا ينبغي الحضور الاجتماعي في المناسبات العامة كالفعاليات الاجتماعية والعلمية والتطوعية والرياضية وغيرها من المناشط الاجتماعية التي تقام في المجتمع.
 
واعتبر أن من العبادات التي لها بعد اجتماعي – بالإضافة إلى الأبعاد الأخرى- صلاة الجماعة، فحضور الإنسان يومياً للمسجد للالتحاق بصلاة الجماعة يعزز التواصل الاجتماعي بينه وبين المصلين، وتقوية أواصر العلاقة والصداقة معهم، وزيادة تعارف بعضهم مع البعض الآخر.

وختم خطبته قائلاً: إن علينا أن نحيي هذه القيمة الدينية والإنسانية بعدما تراجعت عما كانت عليه في الماضي بسبب التحولات المتسارعة في حياتنا المعاصرة، وأن ننمي حالة التواصل والتزاور بين أفراد المجتمع، وأن نخصص وقتاً من برنامجنا اليومي للتواصل الاجتماعي مع الناس.

ودعا إلى اغتنام فرصة التواصل مع الآخرين لتقوية التآلف والانسجام معهم، فمن صفات المؤمن الألفة والتآلف، لما روي عن رسول الله : «المؤمنُ يألَفُ ويُؤلَفُ، ولا خيرَ فيمَن لا يألَفُ ولا يُؤلَفُ» وعنه : «المؤمنُ إلْفٌ مألوفٌ».

اضف هذا الموضوع الى: