المرأة في زمن متغير... قراءة في الكتاب
عرض / رضي منصور العسيف

المؤلف / عبدالله أحمد اليوسف

الناشر / مطبعة خليج آفان

الصفحات / 88 صفحة من القطع المتوسط

سنة النشر 1424 هـ-2003م

كتب الكثيرون حول المرأة، و كل كاتب ناقش هذا الموضوع برؤية معينة، و ربما كانت الظروف تحكم الكتابة و تؤثر في مادتها إلا أنها تتفق في مناقشة أهم القضايا التي تخص المرأة، وتسعى جاهدة لبناء شخصيتها و الدفاع عنها مما تتعرض له من حملات و دعايات هادفة إلى استغلال المرأة و تسخيرها أداة لتحقيق مأربها.

و يأتي كتاب المؤلف الشيخ عبدالله أحمد اليوسف إطلالة جديدة في هذا الموضوع، كتبه ليضيء للمرأة الدرب، و يرشدها إلى واقعها و ما هو مطلوب منها، وقد عنون المؤلف كتابه بـ ( المرأة في زمن متغير ) وقد أحسن الاختيار، حيث أن مجتمعاتنا تعيش حالة من التغيرات العالمية، و تتصف هذه التغيرات بكونها تغيرات سريعة و شاملة، ففي فترة زمنية قصيرة ترى أن تغيراً عالمياً قد طرأ على العالم سواء كان ابتكاراً جديداً أو فكرةً أو تغير سياسي أو غير ذلك، كما أن لهذا التغير أثره على مختلف الشرائح الاجتماعية، المرأة و الرجل، الطفل و الكهل.

و المرأة في ظل هذه التغيرات متأثرة شأنها شان بقية الشرائح شاءت ذلك أم أبت، بل أنها مستهدفة و تحوم حولها الأنظار لكي تستفيد منها بأية صورة كانت .

قسم المؤلف كتابه إلى ثلاثة فصول ناقش في كل فصل موضوع ذو أهمية وصلة بالمرأة في عالمنا اليوم، ففي الفصل الأول الذي عنونه بـ( المرأة من الهامشية إلى الفاعلية ) تحدث فيه عن التهميش التي تتعرض له المرأة و كيف أنها أصبحت عضواً مشلولاً غير قادر على الإبداع و العطاء والعمل، والاكتفاء بخدمة المنزل والأسرة.

ويعزي المؤلف هذا التهميش إلى الفهم الخاطئ لتعاليم الدين، والعادات و التقاليد والأعراف التي أصبحت من ثوابت المجتمع !!

كما أن المرأة تتعرض لحملة من التغريب يطلق عليها شعار ( تحرير المرأة ) و ( تحديث المرأة ) وقد ساهمت وسائل الإعلام سواء القنوات الفضائية أو شبكات الانترنت أو المجلات إلى بث الكثير من الأفكار التي تحول المرأة إلى مجرد وسيلة تسويقية .

ولكي تخرج المرأة من هذه الحالة لابد لها من أن تثق بنفسها و تقوي إرادتها و أن تتمسك بقيمها و دينها و أن تكون ذلك الإنسان المكرم المبدع .

كما تطرق المؤلف إلى أهم الأدوار الفاعلة و التي تعطي قيمة للمرأة و تسهم في الحركة الاجتماعية كتربية الأجيال الذين هم عماد المستقبل، و ممارسة الأعمال المناسبة كالتعليم و التمريض ولا يمنعها حجابها عن ممارسة هذه الأعمال، ونشر الوعي الثقافي كتأليف الكتب و الخطابة و المنتديات الثقافية، كما يمكن للمرأة القيام بالعمل التطوعي الخيري و بهذا تسهم المرأة في تنمية و دفع الحركة الاجتماعية.

أما في الفصل الثاني فقد كان عنوانه : المرأة و التحديات الجديدة

تواجه المرأة في القرن الواحد والعشرين تحديات جديدة و كبيرة و ضخمة من أبرزها : تحدي العولمة الثقافية التي تطرح شعار تحديث المرأة التي تبث الكثير من الأفكار التي تهدف إلى بناء المرأة المعولمة التي تتماشى مع أفكار الحضارة المادية و قد عقدت الكثير من المؤتمرات التي تهدف إلى تعميم هذه الفكرة.

كما أن المرأة تواجه التحدي الإعلامي الهادف إلى تغييب الوعي الحقيقي عند الناس و تهميش أدوار المرأة و جعلها تدور في حلقة من البحث حول الجمال والتجميل و أدوات الزينة ناسية أهم القضايا الأساسية في الحياة.

و التحدي الآخر هو تحدي الانترنت حيث أن المرأة اليوم أصبحت لها القدرة على التعاطي مع هذا الجهاز بل أن البعض من الفتيات أصبحن متخصصات في هذا المجال،إلا أن من المؤسف أن تتأثر المرأة بهذا الجهاز و التعامل مع الانترنت تعاملاً سلبياً كالدخول على المواقع الإباحية أو إقامة علاقات فاسدة مع آخرين .

و يشكل تحدي العمل الذي له أثره في التنمية و البناء الاجتماعي حينما يستثمر أفضل استثمار إلا أن الملاحظ أن المرأة أصبحت امرأة استهلاكية حيث أنها تصرف 70% من المصروف في الكماليات !!

و لكي تواجه المرأة هذه التحديات يتطرق المؤلف إلى بعض النقاط هي كفيلة في هذا المجال، فلابد من فهم للدين و التمسك بالقيم و المبادئ الإسلامية، كما أنه لابد من تربية صالحة للفتاة و هذه هي مسئولية الوالدين، الذين يتحملون العبأ الأكبر في تربية فتاة مؤمنة ملتزمة بمكارم الأخلاق و الصفات الحسنة.

كما أنه لابد من وعي ثقافي كي تستطيع أن تثبت أمام هذا الطوفان و هذا الطغيان المادي، ولابد لها من امتلاك الوعي الكافي للتعامل مع قضايا العصر.

كما أن التأسي بالقدوة الحسنة له أثره في مقاومة تلك التحديات، ولهذا لابد أن تتخذ المرأة من السيدة الزهراء نموذجاً للمرأة الصالحة الواعية.

أما الفصل الثالث من الكتاب فقد خصصه المؤلف للحديث عن المرأة و ثقافة العصر باعتبار أن الثقافة هي إحدى الروافد المؤثرة في صياغة شخصية الإنسان، و لأن التغيرات ترمي بضلالها على الجانب الثقافي للمرأة هادفة من ذلك صياغة رؤية جديدة للمرأة في ظل عولمة ثقافية يراد تعميمها عالمياً .

كما أن الثقافة المعاصرة تركز كثيراً على المرأة و تتفنن في إيصال ثقافة العولمة إلى عقول النساء المسلمات من خلال القنوات الفضائية المتخصصة للمرأة ، والمواقع المخصصة للمرأة عبر الإنترنت والمجلات النسائية و جميعها تهدف إلى تغيير ثقافة المرأة المسلمة وتؤثر في سلوكياتها و قناعاتها الدينية.

و الثقافة المعاصرة تركز على ثقافة الاستهلاك، وتهدف إلى ترويج السلع الاستهلاكية و زيادة مبيعات الشركات المنتجة للمنتجات الاستهلاكية، و لهذا نجد الشركات تصرف الملايين من الدولارات من أجل الترويج لمنتجاتها، و من أجل القيام بعمليات الدعاية لهذه المنتجات التي تحمل مضامين ثقافية تهدف إلى تبديل العادات و التقاليد والقيم.

وقد تحدث المؤلف عن أهم مظاهر الثقافة الاستهلاكية، حيث اعتبر صناعة الموضة إحدى مظاهر هذه الثقافة ثم ذكر أهم مخاطر هذه الثقافة كالتعود على النزعة الاستهلاكية في شراء كل جديد في دنيا الموضة ، والتقليد الأعمى، والاهتمام بالقضايا الشكلية بدل القضايا الجوهرية، كما أن بعض الأزياء و الموضات السافرة تجر المرأة نحو الانحراف و فعل الحرام .

و من مظاهر الثقافة الاستهلاكية أيضاً صناعة الجسد حيث تحولت المرأة إلى جسد بلا روح و بلا عقل أو تفكير و تحول الجسد إلى نقطة جذب للزبائن و الدعاية و تنشيط حركة السياحة و تحولت صناعة الجسد إلى صناعة عالمية توظف لصالح الاقتصاد، و هكذا فإن الثقافة الاستهلاكية سلبت المرأة عزتها و كرامتها و حولتها إلى وسيلة لزيادة المنفعة المادية !!

أما المظهر الثالث للثقافة الاستهلاكية فهو صناعة الاستنساخ الثقافي حيث يراد استنساخ المرأة المسلمة إلى امرأة مستنسخة للمرأة الغربية في التفكير و الأخلاق و السلوك و السفور و غير ذلك .

و تكمن خطورة ثقافة الاستنساخ الثقافي في أن هذا النمط يركز في خطابه على القضايا الشكلية والمظهرية و على السلوكيات المنحرفة، دون التركيز على القضايا الحية والهامة للمرأة أو القضايا التي تسهم في التقدم و التطور الحضاري .

إذاً كيف تتعامل المرأة مع ثقافة عصرها ؟

يجيب المؤلف على هذا السؤال بقوله إن الخطوة الأولى تكمن في دراسة الثقافة الإسلامية دراسة عميقة و شاملة لكل أبعاد و خصائص و مميزات الثقافة الإسلامية .

و تفعيل دور المرأة الثقافي خصوصاً فيما يرتبط بقضايا المرأة حيث تسهم في بلورة رؤية متكاملة لما يجب أن تكون عليه المرأة المسلمة .

و أخيراً الاستفادة من الثقافة المعاصرة فمع ما للثقافة المعاصرة من سلبيات فإن هناك بعض الايجابيات التي ينبغي الاستفادة منها .

و أخيراً فهذه قراءة سريعة في كتاب مكون من 88 صفحة و لكنه حافل بالعديد من الأفكار الحضارية، و الرؤى الإسلامية التي تبصر المرأة بأهم القضايا المعاصرة و كيفية التعامل معها.

وحقاً إنه لمساهمة جديدة تضاف إلى مكتبة المرأة المسلمة.



15/11/1423
اضف هذا الموضوع الى:
كاتب وأخصائي تغذية- القطيف