الشيخ اليوسف في حوار مع صحيفة شمس يقول:التعايش الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية
محرر الموقع - « حوار/ سكينة المشيخص » - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م



نشرت صحيفة شمس السعودية يوم الجمعة 23 جمادى الأولى 1431هـ الموافق 7مايو 2010م، العدد 1577 مقاطع من الحوار الذي أجرته الأستاذة سكينة المشيخص مع سماحة الشيخ عبدالله اليوسف عن التعايش والتقارب بين المذاهب الإسلامية، وهنا ننشره كاملاً تعميماً للفائدة، وهذا هو نصه:
التعايش في الإسلام من القيم والمبادئ الأصيلة للأمة، فلواء التوحيد يجمع الملة ويكفيها الفتنة، وما اختلاف المذاهب إلا من السنن الماضية التي لا يترتب عليها في السياق الديني الموضوعي تشرذم الناس واختلافهم حد الجفاء والفصام، وهو الوضع السائد منذ قرون مضت بين الفرق والمذاهب ما يجعل ذلك أشبه بالاحتراب ورفض الآخر وإنكار حقوق ه الدينية بما يجعله منبوذا ومغتربا عن الدين، وإزاء ذلك ظهرت فكرة التعايش مرادفا للتقارب في محاولة للمقاربة الفكرية التي تفضي إلى أخرى على أرض الواقع والنفوس ويستقر معها حال الجميع مكانا وزمانا.

* طرحت منذ أزمنة بعيدة مسألة التقارب بين الشيعة والسنة.. الآن تطرح فكرة جديدة تقضي بـ (التعايش) وليس التقارب بين الشيعة والسنة، لأن التعايش ممكن بينما التقارب عكس ذلك.. وهذه الرؤية طرحها سعد البريك قبل أيام في اللقاء الذي جمعه مع حسن الصفار؟


س1/ هل دعاة (التعايش) ينفون وجود أي صلة يمكن التقارب من خلالها بين الطائفتين؟

ج2/ ما طرحه الشيخ سعد البريك من إمكانية التعايش واستحالة التقارب أمر لا نتفق معه فيه، فالتعايش الحقيقي لا يمكن أن يتحقق إلا بالتقارب بين أتباع المذاهب الإسلامية، والتقارب بين السنة والشيعة أمر ممكن، بل هو موجود في الكثير من بلاد المسلمين، بل هو موجود في بلادنا كما في محافظة الأحساء حيث نجد أنه في بعض القرى والمدن يوجد فيها سنة وشيعة عاشوا لقرون طويلة متحابين ومتقاربين، ويتشاركون في الأفراح والأتراح.
نعم حدث تباعد في بعض البلدان والمجتمعات الإسلامية بين السنة والشيعة نتيجة للاحتقان الطائفي الذي تغذيه بعض الفئات والتوجهات التي لا تريد وحدة المسلمين، وهو مخالف لقوله تعالى: ﴿إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ولا يوجد أمامنا سبيل من أجل تحقيق السلم الاجتماعي إلا بالتعايش، ونشر ثقافة المحبة والسلام والمودة بين مختلف مكونات المجتمع.


س2/ ما رد دعاة التقارب وليس التعايش والذين يجدون أن الأصول المشتركة للطائفتين كافية لصنع وضع التقارب؟


ج2/ ما يجمع بين المسلمين شيعة وسنة من الإيمان بالأصول الاعتقادية والفرعية يتجاوز الثمانين بالمائة، وهو كاف في صنع التقارب والتعايش، فالسنة والشيعة يؤمنون بالله الواحد الأحد، وبالرسول محمد بن عبد الله ، وبالمعاد، ويصلون الخمس الفرائض إلى قبلة واحدة، ويحجون إلى بيت الله الحرام، ويصومون في شهر رمضان، ويؤمنون بصيانة القرآن من التحريف... هذه المشتركات الأساسية كافية إذا أحسنا النية وأخلصنا القصد في تحقيق التقارب بين المسلمين.
أما إذا أراد كل مذهب أن يبحث عن الآراء الشاذة في المذهب الآخر، ويبني عليه أحكامه، مع تضخيم للخلافات الجزئية فهذا لن يؤدي إلا إلى الافتراق والابتعاد.. وهذا ما لا يرغب فيه كل عاقل يدرك أهمية الوحدة والاعتصام بحبل الله المتين﴿وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ.


س3/ ماذا يعني (التعايش) دينيا؟


ج4/ التعايش يعني: العيش بسلام وأمان واطمئنان مع الآخر الديني أو الآخر المذهبي أو الآخر العرقي أو أي قسم من أقسام الآخر المغاير للذات في الفكر أو العقيدة أو الرأي أو العرق.. أو غيرها.
والتعايش ينطلق من مبدأ الإقرار بالاختلاف بين الناس، وهو أحد سنن الله في الكون، يقول تعالى: ﴿وَلَوْ شَاء رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلاَ يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ .
ثم إن مفهوم التعددية الدينية يتضمن الإقرار بمبدأ إن أحداً لا يستطيع إلغاء أحد، وبمبدأ (المساواة في ظل سيادة القانون) والالتزام بمبدأ حرية الفكر والتفكير، واعتماد الحوار واجتناب الإكراه﴿لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ.
والتعايش ضرورة سياسية واجتماعية لإصلاح شأن الناس، يقول الإمام الباقر : ((صلاح شأن الناس بالتعايش والتعاشر))، أما إذا انعدم التعايش فإن التصادم والتحارب سيحل محله، وهو الأمر الذي يؤدي إلى كوارث ومآسي إنسانية، أو لا أقل سيؤدي إلى نشر ثقافة الكراهية والبغضاء، وهو ما لا يرغب فيه أحد من الحكماء والعقلاء.
س4/ هل يمكن وصف فكرة التعايش بأنها فكرة (علمانية)؟ لأنها تتيح للجميع الإيمان بمعتقداتهم مع ضمان تعايشهم مع المختلفين عنهم؟
ج4/ في نظري أن فكرة التعايش يحث عليها الإسلام، بغض النظر إن كانت العلمانية أو غيرها تدعمها أو تدعيها، بل إن الإسلام فيه من ضمان الحقوق لأهل الكتاب ما لا مثيل له في الأديان والقوانين الوضعية، فالله سبحانه وتعالى يدعو إلى التعامل مع الآخر بمقتضى البر والعدل، يقول تعالى: ﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ بل إن القرآن الكريم يدعو للعدل حتى مع الأعداء في قوله تعالى: ﴿ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىِّ .
وإن الإسلام يقبل بوجود سائر الأديان والاتجاهات الفكرية ضمن مجتمعه وفي ظل دولته، ويمنحهم الحرية الكاملة في ممارسة شعائر دينهم، وقد تعهد الرسول الأكرم لنصارى نجران بضمان حريتهم الدينية في عباداتهم وشعائرهم.
وإذا كان هذا هو رأي الإسلام - كما نفهمه - مع الأديان الأخرى، فبالأولى أن تكون الحرية مصانة لمختلف المذاهب الإسلامية في ممارسة شعائرها وعباداتها وفق اجتهاداتها، فالقبول بالاجتهاد يعني القبول بنتائجه.
ثم إن تعدد الفرق والمذاهب ليس بالأمر الجديد، بل هو موجود منذ القرن الأول الهجري، بل يوجد تعدد في داخل المذهب الواحد، وفتح المجال للجميع للتعبير عن أفكارهم هو السبيل لتنمية الآراء الصحيحة والمنطقية، وذبول الآراء الشاذة والسقيمة، والدارس لتاريخ المذاهب والفرق يجد أن كثيراً منها قد انقرض، وأصبح جزءاً من التاريخ، لأنها لا تمتلك الأرضية الصلبة للاستمرار، أو لأن أحداً لم يتبن تلك المذاهب والفرق.
ملاحظة: يمكنكم الاطلاع على الحوار عبر موقع صحيفة شمس من خلال الرابط التالي:
http://www.shms.com.sa/html/story.php?id=96582

24/5/1431
اضف هذا الموضوع الى: