خصائص الوقت
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
ألقى سماحة الشيخ عبدالله أحمد اليوسف (حفظه الله) كلمة في عموم المصلين يوم الجمعة 24/5/1426هـ - 1/7/2005م في مسجد الإمام الهادي بالحلة، ركز فيها على أهمية الاستفادة من الوقت، مشيراً إلى أبرز خصائص الوقت، وهذه هي نص كلمة سماحته (حفظه الله):
أعطى الإسلام للوقت أهمية قصوى، وأكد على وجوب استثماره وتوظيفه في العمل الصالح، ومما يدل على ذلك هو أن اللَّه سبحانه وتعالى قد أقسم في كتابه الحكيم بمفردات الوقت وبعض أجزائه كالليل والنهار والفجر والصبح والضحى والعصر.. يقول تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى (1) وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى( 1)، ويقول تعالى: ﴿وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ(2 )، ويقول تعالى: ﴿وَاللَّيْلِ إِذَا عَسْعَسَ (17) وَالصُّبْحِ إِذَا تَنَفَّسَ(3 )، ويقول تعالى: ﴿وَالضُّحَى (1) وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى(4 )، ويقول تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ( 5)، ومن المعروف عند المفسرين أن اللَّه سبحانه وتعالى إذا أقسم بشيء فهذا يدل على أهميته وعظمته وقيمته العالية.
ومن سمات الناجحين والعظماء والقادة هو قدرتهم على إدارة الوقت واستثماره إلى أقصى حد؛ باعتباره يمثل ثروة لا تقدر بثمن، وأما التعساء في حياتهم فهم الذين قد تعاملوا مع الوقت بدون أي إدراك لأهميته حتى فاتهم قطار النجاح، وأصبحوا يندبون حظهم العاثر!
والأمر نفسه ينطبق على المجتمعات والأمم، فنجد أن المجتمعات المتقدمة قد تعاملت مع الوقت كعنصر رئيس في عملية البناء الحضاري، فأخذت تهتم كثيراً بتوظيف الوقت في العمل والإنتاج، كما تعود الناس على احترام الوقت كقيمة من القيم المثلى؛ وذلك للوعي بأن استثمار الوقت كقيمة و ثروة يعتبر من الأسس الهامة لأية نهضة صناعية واجتماعية وحضارية.
ولو فتشت عن سبب تخلف المجتمعات النامية لوجدت أن من أهم أسباب ذلك هو التعامل مع الوقت كسلعة زهيدة، والتهاون في احترام المواعيد، والبحث عن قتل الوقت بصورة سلبية، مما يؤدي إلى شيوع ثقافة(اللامبالاة)تجاه الوقت!
ولكل ذلك، لابد من بناء(ثقافة جديدة)قائمة على احترام الوقت، وإدارته بصورة علمية بما يساهم في زيادة الإنتاج والعمل و العطاء والفاعلية.
خصائص الوقت
يمكن تلخيص خصائص الوقت في الحقائق التالية:
1- أنفس شيء:
إن أنفس شيء يملكه الإنسان هو الوقت، فبه يستطيع أن ينجز الكثير من الأعمال إذا ما أحسن استثماره، أما إذا ما أساء إليه وأهدره فيما لا يفيد ولا ينفع فإن النتيجة ستكون الخسران والخسارة في الدنيا والآخرة كما قال الله تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ*إن الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ( 6).
وكل من يدرك قيمة الوقت وأهميته يعلم أن الوقت ليس من ذهب فحسب، بل هو أثمن من كل جوهر نفيس، وأغلى من كل حجر كريم؛ إنه أثمن ما في الوجود، لأن الوقت يساوي الحياة.
وإذا كان الواحد منا يتعامل مع الوقت كسلعة ثمينة لا تقدر بثمن، فإنه بالتأكيد سيحافظ على كل لحظة من وقته، وسيوظف كل دقيقة في العمل الصالح، وسيستثمر كل ثانية في تحقيق ما يصبو إليه. أما إذا كان يتعامل مع الوقت كسلعة زهيدة فإنه لن يهتم بتبذير وقته، ولن يبالي بتبديد لحظات حياته فيما لا يفيد. ولكنه سيشعر بالخسارة والندم عندما يتجاوزه الزمن، ويتحسر على ما فاته من أيام وسنوات كان بإمكانه خلالها أن ينجز الكثير من الأعمال، أو أن يأتي بعديد الأفعال الحسنة.
إن نبينا محمد يحثنا على ضرورة اغتنام العمر، والحرص على الوقت بأشد من الحرص على المال، يقول : ((كن على عمرك أشح منك على درهمك ودينارك))(7 ) فبالوقت يستطيع الإنسان أن يأتي بالمال، ولكن العكس لا يمكن أن يحصل أبداً.ويقول الإمام علي ((إن المغبون من غبن عمره، وإن المغبوط من أنفذ عمره في طاعة ربه))(8 ) وقال أيضاً: ((الساعات تخترم الأعمار، وتدني من البوار))(9 ).
فلنتعامل مع الوقت كأثمن شيء في حياتنا قبل أن ينتهي توقيت أعمارنا من هذه الدنيا الفانية.
2-سرعة انقضائه:
من خصائص الوقت أيضاً سرعة انقضائه وذهابه، فهو يمر مَرَّ السحاب، ويجري جري الرياح، وسرعان ما يجد المرء نفسه وقد علاه الشيب، وتصرمت أيامه، وأصبح في نهاية حياته!
وقد أشار الإمام علي إلى هذه الحقيقة بقوله: ((ما أسرع الساعات في اليوم، وأسرع الأيام في الشهر، وأسرع الشهور في السنة، وأسرع السنين [السنة] في العمر))( 10) ويقول : ((إن الليل والنهار يعملان فيك فاعمل فيهما، ويأخذان منك فخذ منهما))( 11).
وإذا ما أراد أي واحد منا أن ينجح في الدنيا، ويفوز بالآخرة، فعليه أن يجعل كل أوقاته فيما فيه رضا الله عز وجل، وأن يحافظ على وقته، ويحرص على الاستفادة منه بأقصى استفادة. وإلا فإن الوقت يمضي، وكل دقيقة تتقدم يتقدم من عمر الإنسان بقدرها، والعاقل من يستثمر كل لحظة من عمره في العمل الصالح، وإنجاز أكبر قدر ممكن من الأمور التي تخدم نفسه ومجتمعه وأمته.
3- الوقت لا يعوض:
الخصيصة الثالثة من خصائص الوقت أنه غير قابل للتعويض أبدًا، بَيْدَ أن المال إذا ضاع قد يعوض، أما الوقت فلا عوض له، ولذلك فالوقت أغلى من المال.
والدقيقة، والساعة، واليوم، والأسبوع، والشهر، والسنة، وأي وحدة زمنية طويلة كانت أم قصيرة إذا انقضت لا يمكن أن تعود مرة أخرى؛ فعقارب الساعة لا يمكن أن تعود إلى الوراء أبداً، وحركة الزمن لا يمكن إيقافها، وبالتالي فإن علينا أن نسارع في عمل الخيرات، ونبادر في فعل الصالحات، ونحرص على اغتنام كل دقيقة من وقتنا قبل أن ينتهي ما عندنا من دقائق في هذه الحياة الدنيا.
وقد وضح الإمام علي هذه الحقيقة بقوله: ((إنما أنت عدد أيام، فكل يوم يمضي عليك يمضي ببعضك، فخفض في الطلب، و اجمل في المكتسب))(12 ) وهذا ما يجب أن يحفزنا نحو توظيف أوقاتنا في إنجاز أكبر عدد ممكن من الأعمال الصالحة، واستثمار حياتنا في نشر الحق والفضيلة والقيم العليا.

ملاحظة:يمكنك الاستماع للمحاضرة من خلال الوصلة التالية:
http://www.alyousif.org/sound/32.wma
الهوامش
ــــــــــــــــ
( 1) سورة الليل، 1 - 2.
( 2) سورة الفجر، 1 - 2.
(3 ) سورة التكوير، 17 - 18.
(4 ) سورة الضحى، 1 - 2.
(5 ) سورة العصر، 1 - 2.
( 6) سورة العصر: 1 ـ3.
( 7) ميزان الحكمة، محمد الري شهري، مؤسسة دار الحديث الثقافية، الطبعة الثانية 1419هـ، بيروت ـ لبنان، ج5، ص2112، رقم14190.
(8 ) نفس المصدر السابق، ص2112، رقم14192.
( 9) نفس المصدر السابق، ص2113، رقم 14201.
( 10) ميزان الحكمة، ص2113، رقم 14200.
(11 ) نفس المصدر السابق، ص2113، رقم 14199.
( 12) ميزان الحكمة، ص2112، رقم 14187.
25/5/1426
اضف هذا الموضوع الى: