في حوار مع آفاق حول أطروحته للدكتوراه عن سيرة الإمام الرضا (ع)
الشيخ د.اليوسف: مأسسة الحوار بين الأديان والمذاهب يشكل خطوة مهمة لتعزيز المشتركات
محرر الموقع - « حوار: حسين زين الدين - مركز آفاق للدراسات والبحوث » - 15 / 9 / 2012م - 7:34 م
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف وهو يلقي كلمته بندوة (الخلافات الزوجية: الأٍسباب والحلول) بمسجد العباس بالربيعية 25 جمادى الآخرة 1432هـ
سماحة الشيخ عبدالله اليوسف وهو يلقي كلمته بندوة (الخلافات الزوجية: الأٍسباب والحلول) بمسجد العباس بالربيعية 25 جمادى الآخرة 1432هـ

 قال الشيخ  الدكتور عبد الله اليوسف: إن مأسسة الحوار بين مختلف الأديان والمذاهب المختلفة يشكل خطوة مهمة لتعزيز البحث العلمي، واكتشاف المشتركات. مؤكداً على أن يكون الهدف هو التعارف بين المختلفين، والبحث عن الحقيقة، وتنمية العيش المشترك بينهم، بما ينمي الوحدة في إطار التنوع الإنساني والديني والثقافي.

وأضاف أن الحوار العلمي والرصين هو المدخل الصحيح للبحث عن الحق والحقيقة، وأن محاورة الآخر يجب أن يكون وفق المنهج العلمي بالأدلة العلمية، والبراهين والحجج العقلية، بعيداً عن لغة التخويف والوصاية والإرهاب الفكري.

موضحاً أن بعض المدارس الفكرية والمذهبية والطائفية بات يغلب عليها لغة التفسيق والتبديع والتكفير بعيداً عن منهج الحوار العلمي، والاستدلال المنطقي، وهو الأمر الذي أدى إلى الاحتقان الديني والطائفي والمذهبي في كثير من بلاد المسلمين.

جاء ذلك في حواره مع مركز آفاق للدراسات والبحوث حول رسالته في الدكتوراه " سيرة الإمام الرضا   : دراسة تحليلية للحياة الأخلاقية والعلمية والسياسية للإمام الرضا  " الذي سلطنا فيه الضوء على فكرة الكتاب ودور الإمام التربوي في تربية كوادر علمية و دوره في المجتمع والرقي به، وانفتاح الإمام على الآخر المختلف من الديانات المختلفة، والتوصيات والآراء التي ختم بها الكاتب دراسته.

وحصل الكاتب على شهادته الدكتوراه من جامعة المصطفى العالمية أواخر عام 1432 هـ - 2011م، بعد إجازة الجامعة للرسالة التي كانت عن سيرة وحياة الإمام الرضا.

وقد صدرت لاحقاً عن مركز آفاق للدراسات والبحوث عام 1433 هـ - 2012م، ضمن سلسلة " رسائل جامعية". وتأتي فكرة " رسائل جامعية  لتشجيع طلاب الدراسات العليا للعلوم الإنسانية في المنطقة على طباعة بحوثهم ورسائلهم الجامعية والمساهمة في إيصال جهودهم البحثية للمهتمين والقراء،تعميماً للفائدة وخدمة للحراك الثقافي العام، بدلاً من بقائها حبيسة الأدراج.

 

فكرة ومحتويات الكتاب
 

  بداية حبذا لو أعطيتنا فكرة عن دراستكم الجامعية " سيرة الإمام الرضا : دراسة تحليلية للحياة الأخلاقية والعلمية والسياسية للإمام الرضا ( ع) " التي عمل مركز آفاق على طباعتها؟ وما دواعي تناولك بالدراسة والتحليل لهذه الشخصية؟

يتناول هذا الكاب سيرة إمام بارز من أئمة المسلمين، وقائد من قادة الفكر الإسلامي، وهو الإمام علي بن موسى الرضا ، وقد كانت سيرته متميزة بالتفوق الأخلاقي والرياضة الروحية، وبالعطاء العلمي والمعرفي، وبالمشاركة السياسية والعملية، فسيرته متميزة في كل شيء؛ في العبادة والأخلاق والعلم والسياسة.

وكل جانب من سيرته المباركة جدير بالكتابة والدراسة، إلا أن جعله ولياً للعهد من قبل المأمون العباسي كان بداية الفكرة لكتابة هذه الرسالة العلمية عن الإمام الرضا ، فهذا الحدث السياسي الهام، دفعني لمعرفة تفاصيل وملابسات وحيثيات إصرار المأمون العباسي على أن يكون الإمام الرضا ولياً للعهد، وحاكماً من بعده، وهو حدث لو تم لكان من أعظم حوادث التاريخ وأكبرها؛ إذ أن ذلك يعني انتقال الخلافة من العباسيين إلى العلويين، وهو تحول سياسي كبير جداً بكل المقاييس والمعايير التاريخية والسياسية، وبالرغم من أن ذلك التحول لم يتم، إلا أن حدثاً سياسياً مثيراً وغير معهود قد حصل للإمام الرضا بتعيينه في منصب ولاية العهد.

ثم إنني بعدما أخذتُ رسالة الماجستير في الثقافة والمعارف الإسلامية من جامعة المصطفى العالمية في قم المقدسة عام 1430 هـ - 2009م، عرضتُ على الجامعة أن يكون بحثي في رسالة الدكتوراه عن الإمام الرضا ، وبعد الاتفاق مع الجامعة بعد عرض منهج الدراسة وهيكليتها عليها، بدأتُ في الكتابة حول سيرة الإمام الرضا وقد حصلت على شهادة الدكتوراه من جامعة المصطفى العالمية أواخر عام 1432 هـ - 2011م، بعد إجازة الجامعة للرسالة التي كانت عن سيرة وحياة الإمام الرضا .

وتتكون هذه الرسالة عن الإمام الرضا من عدة أبواب، في كل باب عدة فصول، لتنتهي بخاتمة وملاحق، لتكون بمجموعها خطة البحث المرسومة لهذه الدراسة العلمية والتي صدرت لاحقاً عن مركز آفاق للدراسات والبحوث عام 1433 هـ - 2012م.

تبدأ الدراسة في بابها الأول، والذي جاء بعنوان: ( مناقب وفضائل الإمام الرضا ، بالتركيز على شخصية الإمام  بإعطاء القارىء المعلومات الأولية والشخصية عن الإمام، ثم ما قاله الأعلام عن شخصية ومكانة ومقام الإمام الرضا ، لننهي هذا الباب بالحديث عن سيرته الروحية والأخلاقية.

وكل جانب من سيرته المباركة جدير بالكتابة والدراسة، إلا أن جعله ولياً للعهد من قبل المأمون العباسي كان بداية الفكرة لكتابة هذه الرسالة العلمية عن الإمام الرضا ، فهذا الحدث السياسي الهام، دفعني لمعرفة تفاصيل وملابسات وحيثيات إصرار المأمون العباسي على أن يكون الإمام الرضا ولياً للعهد

وجاء الباب الثاني لهذه الدراسة بعنوان ( السيرة الدينية والعلمية للإمام الرضا ويشتمل هذا الباب على أربعة فصول ركزت فيها على الدور الديني والعلمي والصحي والاجتماعي للإمام الرضا .

أما الباب الثالث فحمل عنوان: ( الإمام الرضا   والمسيرة السياسية)    وتفرع من هذا الباب أربعة فصول تناولت فيها الإمام الرضا وحكام عصره. وولاية العهد بين الدوافع والدلالات. وتساؤلات  وأجوبة حول دعوى تشيع المأمون العباسي. وولاية العهد بين أهداف المأمون ومكتسبات الإمام الرضا .

وجاء الباب الرابع والأخير بعنوان: ( الإمام الرضا  شهادة وخلود ) ويتكون من فصلين وهما: شهادة الإمام الرضا . وحكم وأقوال بليغة للإمام الرضا .

وختمتُ هذه الدراسة العلمية عن الإمام الرضا   بنتائج  وتوصيات الدراسة التي توصلتُ إليها من خلال دراستي لسيرة الإمام الرضا مرفقاً في النهاية بعض الملاحق المهمة.

 

أبعاد وآفاق جديدة تناولتها الدراسة

  يلحظ عليك في تناولك لسيرة الإمام الرضا أن العناوين الفرعية للدراسة كلها تناولتها بالتفصيل كتب السير والتاريخ وهو ما نلحظه من عناوين المصادر والمراجع التي اعتمدت عليها في دراستك عن شخصية الإمام الرضا ، فبماذا تميزت دراستك عن هذه الدراسات والكتب التي تناولت شخصية الأمام الرضا ؟ أي ما الجديد فيها؟

من الطبيعي حين الحديث عن شخصية تاريخية مهمة الرجوع إلى أمهات الكتب التاريخية والمصادر المعتبرة، لكن لم أقتصر على ذلك؛ بل استفدت من الدراسات الحديثة التي تناولت الموضوع ولو بصورة جزيئية، أو في جانب معين من سيرة الإمام الرضا .

وبالرغم من وجود عدد من الدراسات السابقة المهمة عن حياة الإمام الرضا ، إلا أن سيرته المباركة، وحياته المليئة بالأحداث التي ساهمت في صنع التاريخ، وتغيير بعض مساراته، يتطلب المزيد من الدراسة والعناية والتحليل، وما هذه الدراسة إلا مساهمة في تفسير الأحداث التي رافقت حياة الإمام الرضا، وقراءة تحليلية لسيرته المباركة كي نستضيء من نوره ما ينير لنا الطريق، ونقتدي به في حياتنا؛ لأنه شخصية عظيمة ومؤثرة، فضلاً عن كونه إماماً معصوماً، وهو الأمر الذي يستدعي المزيد من الدراسات والأبحاث العلمية، لتعريف الأجيال الحاضرة والقادمة بعظماء الأمة وقادتها الكبار.

ومع أنه توجد بعض الدراسات والمؤلفات عن حياة وسيرة الإمام الرضا ، إلا أنها لا تخلو من بعض الملاحظات المنهجية، ووجود بعض الثغرات والإشكاليات العلمية التي تؤثر في استنباط النتائج العلمية الدقيقة، كما أنني لم أعثر على دراسة أكاديمية عن الإمام الرضا ، وإنما دراسات عامة غير خاضعة للبحث العلمي الرصين.

وقد امتازت هذه الدراسة عن غيرها من الدراسات السابقة بأمور عديدة، منها: اتباع المنهج العلمي في كتابة البحوث الأكاديمية، وهو الأمر الذي لم نلاحظه في كل الدراسات السابقة، بل إن بعضها يفتقر إلى أوليات كتابة البحث العلمي، فضلاً عن أصوله وقواعده.

كذلك اتبعت في هذه الدراسة طريقة التحليل والاستقراء والاستنباط في فهم الأحداث التاريخية، ومنهج الرفض والإثبات في تحليل النصوص وقراءتها، واستعراض الآراء المختلفة، ثم تبني الرأي المختار ليعرف الباحث والقارئ معاً ما توصلتُ إليه من آراء واجتهادات وأفكار.

امتازت هذه الدراسة عن غيرها من الدراسات السابقة بأمور عديدة، منها: اتباع المنهج العلمي في كتابة البحوث الأكاديمية، وهو الأمر الذي لم نلاحظه في كل الدراسات السابقة، بل إن بعضها يفتقر إلى أوليات كتابة البحث العلمي، فضلاً عن أصوله وقواعده.

وتمتاز هذه الدراسة أيضاً ببيان النتائج والآراء والتوصيات التي توصلتُ إليها من خلال بحثي في نهاية هذه الدراسة عن سيرة وحياة الإمام الرضا ، وهو الأمر الذي أهملته كل الدراسات السابقة التي اطلعت عليها.

كما ركزت هذه الدراسة على بعض الأبعاد من سيرة الإمام الرضا   التي لم تذكرها الدراسات السابقة أصلاً أو بصورة غير مفصلة؛ كالدور التربوي للإمام من خلال تربيته لمجموعة من الكوادر الرسالية، وتحليل رسالة الإمام الطبية التي كتبها للمأمون، وربطها بما توصل إليه العلم الحديث، وذكر مكتسبات القبول بولاية العهد... وغيرها من المحاور والمباحث المذكورة مفصلاً في هذه الدراسة.

وتمتاز هذه الدراسة عن غيرها أيضاً بذكر معلومات مفصلة عن الحرم الرضوي الشريف، وعن طوس ومشهد المشرفة، وكذلك ثبت الفهارس المهمة في نهاية الكتاب بالطريقة العلمية، واتباع لغة العصر في كتابة هذا البحث، وتجنب استخدام الألفاظ الصعبة التي تحتاج إلى تفكيك، أو يعسر فهمها على الأجيال المعاصرة.

 

انفتاح الإمام الرضا على الآخر

  تناولت في دراستك بالتحليل الدور العلمي للإمام الرضا خاصة فيما يتعلق بالمناظرات والاحتجاجات مع الآخر المختلف فكراً ووجوداً؟ فما الدور الذي قام به الإمام الرضا في هذا المجال؟ وبماذا يتميز دوره عن بقية الأئمة؟ وكيف يمكن الاستفادة من هذا المناظرات في واقع أمتنا، وهل يمكن بلورة أفكارها وآرائها في مأسسة الحوار مع الآخر المختلف؟ وماذا يمكن أن نخلص من تلك المناظرات؟

تميز عصر الإمام الرضا بانتشار العلم، وتأسيس الكثير من المكتبات والمدارس، والانفتاح على الأمم الأخرى نظراً لتوسع مساحة البلاد الإسلامية، وهو الأمر الذي أدى إلى التداخل بين علماء الأديان المختلفة، وسعي كل دين؛ بل وكل مذهب لإثبات صحة معتقداته وأفكاره.

وقد كان من أكثر الوسائل المتبعة في ذلك الوقت لإثبات كل طرف صحة ما يعتنقه هو المناظرة مع الآخر، وقد حدثت عدة مناظرات واحتجاجات بين الإمام الرضا وأرباب الأديان الأخرى، كما شملت المناظرات بين الإمام وأصحاب المذاهب الإسلامية الأخرى ممن لديهم آراء مخالفة لمدرسة أهل البيت.
 
وعندما تولى الإمام الرضا ولاية العهد سعى المأمون العباسي لعقد الكثير من المناظرات بين الإمام الرضا   وكبار العلماء من مختلف الأديان والمذاهب، وبغض النظر عن هدفه من ذلك، فقد أتاح هذا الأمر للإمام الفرصة الذهبية لبيان آرائه الدينية والعلمية والفكرية، وهو  ما لم يتح لغيره من الأئمة .

وقد استفاد الإمام الرضا من ذلك أيما استفادة؛ إذ أن ذلك أعطى الإمام  الفرصة لنشر عقائد ومفاهيم وأفكار أئمة أهل البيت إلى كبار العلماء حتى أسلم البعض منهم وأَثَّرَ ذلك على أتباعهم.

وكانت من أهم مناظرات الإمام الرضا هو حواره مع اهل الأديان وأصحاب المقالات، حيث جمع المأمون العباسي أكبر علماء النصارى واليهود والصابئة والمجوس وغيرهم ليناظروا الإمام الرضا في مسائل كلامية وعلمية، وقد استطاع الإمام الرضا من خلال هذا الحوار مع أصحاب الأديان المختلفة وهو ما يُسمى في عصرنا بـ(حوار الأديان) أن يُظهر تفوق المنطق والدليل القاطع الذي كان يحاجج به الإمام خصومه في الدين، فقد كان الإمام يجادل أصحاب الأديان المختلفة بما يعتقدونه من كتب وأنبياء، ولم يكن يستدل عليهم من المصادر الإسلامية لأن (الآخر الديني) لا يعتقد بها، وهكذا استطاع الإمام أن ينتصر عليهم جميعاً، مما أدى إلى إسلام بعض من كان حاضراً من أتباع الأديان المختلفة.

والإمام الرضا يقدم لنا عبر هذه المناظرة ـ التي ضمت أكثر من خمسة أديان مختلفة ـ دروساً في فن الحوار مع (الآخر الديني) عبر استخدام الأدلة المنطقية، ومحاورة الخصم بما يعتقد، والاستدلال عليه من مصادره، والتحلي بأخلاقيات وآداب الحوار، وقد أدى كل ذلك إلى اعتناق بعضهم الإسلام.

وتناولت مناظرات الإمام الرضا أعقد المسائل الكلامية والفكرية والعلمية، فقد شملت مناظراته التوحيد وما يرتبط بتفاصيل الأصل الأول للدين، وعصمة الأنبياء، والإمامة وغيرها

وللمناظرات العلمية فوائد عديدة، أهمها: أنها تكشف عن مستوى الأطراف المتحاورة، وتبين من بمتلك العمق العلمي، والدليل والبرهان، ومن يتشبث بآراء ضحلة، وأدلة غير علمية. كما تكشف من جهة أخرى مستوى الانفتاح والتسامح، والقبول بالحوار حتى مع الزنادقة والمنحرفين.

وفي ظل الخلافات والمعارك الكلامية المحتدمة في عصر الإمام الرضا، ومحاولة كل مذهب ومدرسة إثبات صحة ما تعتقد به، كان الإمام الرضا   يتمتع بفرصة ذهبية لإثبات صحة عقائد ومداميك المدرسة الإمامية، وهو الأمر الذي ساهم في زيادة انتشار أتباع مدرسة أهل البيت في كل الأقاليم الإسلامية.

وقد استطاع الإمام الرضا بتفوقه العلمي على أرباب الأديان المختلفة أن يقوي من أصول الفكر الإسلامي، ويعمق القناعة الفلسفية بهذا الفكر، وفي المقابل إضعاف الفكر غير الإسلامي الذي أخذ يتغلغل إلى المسلمين من خلال أعمال الترجمة، ودعم بعض الخلفاء العباسيين له.

وتوجيه المسلمين إلى اتباع منهج وفكر الإسلام الأصيل من خلال المواجهة العلمية القوية بين الإمام الرضا وعلماء الأديان والمذاهب والفرق المختلفة. وهذه المواجهة الفكرية والعلمية تركت آثاراً قوية على الساحة الإسلامية، وصنعت تموجات علمية تجاوزت المتحاورين إلى الرأي العام في كل مكان.

وتناولت مناظرات الإمام الرضا   أعقد المسائل الكلامية والفكرية والعلمية، فقد شملت مناظراته التوحيد وما يرتبط بتفاصيل الأصل الأول للدين، وعصمة الأنبياء، والإمامة وغيرها من المسائل، وشكلت هذه المناظرات بمجموعها رصيداً علمياً مهماً في تلك القضايا، والمسائل العقدية الفكرية، فما من باحث يريد البحث في العقائد إلا ويحتاج لمراجعة ما قاله الإمام الرضا لمعرفة عقائد أهل البيت وفكرهم.

ونستنتج من كل ما سبق: إن الحوار العلمي والرصين هو المدخل الصحيح للبحث عن الحق والحقيقة، وأن محاورة الآخر يجب أن يكون وفق المنهج العلمي بالأدلة العلمية، والبراهين والحجج العقلية، بعيداً عن لغة التخويف والوصاية والإرهاب الفكري، وأن الأئمة على مكانتهم وعلو شأنهم لم يترفعوا عن التحاور مع الكفار والزنادقة والملاحدة، بل كانوا يرحبون بكل حوار من أجل تغيير قناعات الآخر المخالف بالحوار والإقناع والمنطق، وهذا ما نحتاجه في عصرنا، حيث بات يغلب علي بعض المدارس الفكرية والمذهبية والطائفية لغة التفسيق والتبديع  والتكفير بعيداً عن منهج الحوار العلمي، والاستدلال المنطقي، وهو الأمر الذي أدى إلى الاحتقان الديني والطائفي والمذهبي في كثير من بلاد المسلمين.

إن الحوار العلمي والرصين هو المدخل الصحيح للبحث عن الحق والحقيقة، وأن محاورة الآخر يجب أن يكون وفق المنهج العلمي بالأدلة العلمية، والبراهين والحجج العقلية، بعيداً عن لغة التخويف والوصاية والإرهاب الفكري

ولا شك أن مأسسة الحوار بإيجاد وسائل وآليات جديدة كمراكز الحوار العلمي سواء بين علماء الأديان المختلفة، أو مراكز للحوار يين علماء المذاهب الإسلامية بشكل خطوة مهمة لتعزيز البحث العلمي، واكتشاف المشتركات، بشرط أن يكون الهدف التعارف بين المختلفين، والبحث عن الحقيقة، وتنمية العيش المشترك بينهم، بما ينمي الوحدة في إطار التنوع الإنساني والديني والثقافي.

 

الدور التربوي للإمام الرضا ( ع).. الأبعاد والمنطلقات

  أشرت في دراستك إلى أبرز الأدوار والأعمال التي قام بها الإمام الرضا في حياته، كان من بينها تركيزه على بناء وتربية كوادر مؤهلة علمياً في تنمية الوعي والبصيرة ونشره العلم والمعرفة بين الناس؟ ما أبرز معالم هذا الدور؟

اهتم الإمام الرضا بتربية مجموعة من العلماء والكوادر والخواص، وركز في تربيته على الجانب الديني والتربوي والأخلاقي والعلمي، لكي يكونوا من دعاة الإسلام، ومبلغي الرسالة، وناشري علوم أهل البيت.

وقد أثمر تربية الإمام الرضا لجيل من العلماء والفقهاء والرواة بنشر الإسلام، وبث علوم أهل البيت إلى مختلف الأقاليم الإسلامية، كما صنف تلامذة الإمام ما يزيد على خمس مئة كتاب ومؤلَّف ومصنف في مختلف العلوم والمعارف؛ كعلوم القرآن، وعلوم الحديث، وعلم الفقه، وأصول العقائد، والتاريخ، والأخلاق، والطب، والأدب.

وهذا النتاج العلمي الكبير الذي صنفه تلامذة الإمام الرضا ، ما كان ليتحقق لولا ما بذله الإمام من جهد تربوي، وعطاء علمي، وتهذيب أخلاقي، في تربية هذا الجيل من العلماء والفقهاء.

 

بناء المجتمع ودور الإمام الرضا

  
تطرقت في دراستك الى مقومات البناء الاجتماعي ومفهومها محاولاً تسليط الاضواء على أهميتها في بناء المجتمع ودور الامام الرضا في بناء هذه المقومات... فما هو الدور الذي قام به الإمام في بناء المجتمع بالشكل الذي ساهم بالارتقاء به وتوجيهه نحو التطلع للأهداف الكبري؟

كان للإمام الرضا دور مهم وفاعل ومؤثر في بناء المجتمع والارتقاء به علمياً وحضارياً من خلال مجموعة من القواعد والمقومات التي يرتكز عليها بناء أي مجتمع، وأهم تلك المقومات التي اعتنى بها الإمام الرضا التوجيه الاقتصادي، ونقصد به بيان مبادئ العدالة الاقتصادية في الإسلام، وأهمها: التوزيع العادل للثروات، وتكافؤ الفرص، وسيادة القانون، وإعطاء الحقوق الاقتصادية إلى الناس بالعدل.

صنف تلامذة الإمام ما يزيد على خمس مئة كتاب ومؤلَّف ومصنف في مختلف العلوم والمعارف

وقد كان للإمام الرضا دور هام جداً في بيان تلك المبادئ والمفاهيم الاقتصادية للناس حتى يعرفوا حقوقهم الاقتصادية، وكان ينتقد تصرفات الحكام في أموال المسلمين بغير وجه حق، ويدعو إلى التكافل الاقتصادي، والعدالة في توزيع الثروات.

وثاني تلك المقومات: التوعية السياسية حيث استثمر الإمام الرضا أجواء و ظروف الانفراج السياسي النسبي لبناء وتوسعة القاعدة الشعبية، وتسليحها بالفكر السياسي السليم المنسجم مع رؤية أهل البيت وتعبئة الطاقات لاتخاذ الموقف المناسب في الوقت المناسب، ولهذا لم تنفجر أي ثورة علوية في هذين العهدين لعدم اكتمال العدة والعدد.

ولأن للسياسة أثرها الفاعل في البناء الاجتماعي، فقد أعطى الإمام الرضا لهذه المسألة أهمية كبيرة، فقد كان يقدم للناس المفاهيم والأفكار السياسية التي تنسجم مع الإسلام، كما كان يغذي خواصه وتلامذته بالفكر السياسي وفق رؤية أهل البيت ، وهو الأمر الذي أنتج مجموعة من الكفاءات والكوادر الرسالية المسلحة بالعلم والفكر والوعي السياسي، وكان لبعضهم أدوار مهمة في إدارة بعض الأقاليم في البلاد الإسلامية.

وثالث تلك المقومات: التنظيم الإداري، فالإدارة مقوم مهم من مقومات بناء المجتمع، فلا يمكن أن يسود النظام في أي مجتمع إنساني بدون إدارة سليمة وصحيحة، وللإدارة أشكال مختلفة، وهنا نتحدث عن الإدارة الاتصالية بين القائد -وهو الإمام الرضا - والناس، من خلال الوكلاء الثقات، الذين هم بمثابة قنوات اتصال مهمة بين القيادة والناس.
 
وفي عهد الإمام الرضا حيث اتسعت القاعدة الشعبية لأتباع مدرسة أهل البيت، اهتم الإمام بتعيين مجموعة كبيرة من الوكلاء كتنظيم إداري للتغلب على صعوبة التواصل بينه وبين الناس في مختلف الأقطار والولايات، وهذا النظام الإداري كان له دور فاعل جداً في التواصل بين مدرسة أهل البيت والجماهير.
توصيات الدراسة

 

توصيات واقتراحات الدراسة

  أخيراً.. ما الآراء والتوصيات التي توصلت إليها في دراستك لشخصية الإمام الرضا ؟

في ختام الدراسة العلمية عن الإمام الرضا اقترحتُ وأوصيتُ بالأمور التالية:

1 ـ نظراً لأهمية الاطلاع على حياة الشخصيات المتميزة والعظيمة، وللتعريف بشخصية الإمام الرضا للأجيال الحاضرة والقادمة، فإننا نوصي بعمل موسوعة متكاملة عن سيرة وحياة الإمام علي بن موسى الرضا بحيث تتناول كل ما ورد عن حياته المباركة، وكل ما كتب أو دون عن سيرته الشريفة.

2 ـ كشفت هذه الدراسة عن سيرة الإمام الرضا أنه من الصعب لأي باحث أن يلم ويستوعب حياة الإمام الرضا من جميع جوانبها وأبعادها؛ لذلك يوصي الباحث بعمل دراسات متخصصة عن حياة الإمام الرضا ، حتى تكون أكثر دقة وموضوعية، فمثلاً مناظرات الإمام المختلفة تحتاج إلى دراسة وقراءة تحليلية مستقلة، وآراء الإمام الرضا في علم العقائد تحتاج إلى دراسة علمية مستقلة، وهكذا، كل بعد من حياة وسيرة الإمام الرضا تحتاج إلى دراسة متخصصة؛ بل تحتاج إلى دراسات في المجال الواحد حتى يمكن التوصل إلى نتائج علمية مفصلة ودقيقة.

سيرة الإمام الرضا
غلاف كتاب سيرة الإمام الرضا الصادر عام 1433هـ- 2012م

3 ـ دعوة الجامعات الإسلامية إلى تشجيع طلاب الدراسات العليا على كتابة رسائل الماجستير والدكتوراه عن حياة الإمام علي بن موسى الرضا ، وباقي أئمة أهل البيت ، لما في ذلك من تعريف بأعلام الدين، وإثراء للعلم والمعرفة الدينية.

4 ـ إعلان مولد الإمام علي بن موسى الرضا يوماً عالمياً عن الإمام الرضا ، وعمل فعاليات ومناشط ثقافية وعلمية وتاريخية وفنية للتعريف بحياة وسيرة الإمام الرضا المباركة.

5 ـ أن تقوم الحكومات الإسلامية أو المؤسسات العلمية أو الأفراد المقتدرين بعمل مسابقة سنوية أو دورية تتناول كل ما يرتبط بحياة الإمام الرضا الدينية والعلمية والثقافية والأخلاقية والسياسية والمعرفية وغيرها، على أن تقوم الجهة المتبنية للمشروع بتوزيع جوائز تقديرية للمساهمين والمشتركين في المسابقة لإثراء الموضوعات المقترحة حول حياة وسيرة الإمام الرضا .

6 ـ إقامة الندوات والمؤتمرات العالمية التي تتناول السيرة المباركة للإمام الرضا ، وذلك بهدف المزيد من الإثراء العلمي والمعرفي، والدفع نحو الحوار العلمي الهادئ بين النخب الفكرية، وتبادل الخبرات والتجارب المعرفية والحضارية.

7 ـ تنظيم معرض سنوي متخصص عن الإمام الرضا ، يعرض فيه كل ما كتب عن حياته الشريفة، وبمختلف اللغات العالمية.

8 ـ دعوة العلماء والباحثين والكتاب إلى تأليف المزيد من الدراسات التحليلية عن سيرة الإمام علي بن موسى الرضا وعدم الاكتفاء بما كتبه العلماء السابقون؛ ففي حياة الإمام من الثراء العلمي والمعرفي ما هو بحاجة إلى المزيد من التحليل العلمي والدراسة الجادة.

9 ـ إنشاء مؤسسة خاصة لترجمة تراث الإمام علي الرضا ، وما كتب عنه، إلى مختلف اللغات العالمية، كي يطلع العالم على عظمة هذه الشخصية، وجلال قدرها، بما يُسهم في إعلاء شأن الإسلام وقادته.

10 ـ تأسيس قناة فضائية باسم الإمام الرضا ، وتبث بعدة لغات، وتركز على تراث وفكر الإمام الرضا خاصة، وأهل البيت عامة، بما يخدم التعريف بالإسلام الأصيل، وتعريف الشعوب والأمم المختلفة بأهل البيت ، ومكانتهم العلمية، وسيرتهم الأخلاقية المتميزة، فقد جَسَّد هؤلاء القادة قيم الإسلام وأخلاقه وآدابه على أرض الواقع.


 

اضف هذا الموضوع الى: