صفوى: الشيخ اليوسف يحاضر عن دور الدين في الوقاية من الأمراض
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م

ألقى سماحة الشيخ عبدالله اليوسف في مدينة صفوى يوم الأربعاء بتاريخ 22/3/1428هـ بصالة الصفا محاضرة بعنوان ( دور الدين في الوقاية من الأمراض) وهذه مقتطفات مما جاء في المحاضرة:
تعد الصحة من أهم النعم التي أنعم الله سبحانه وتعالى بها على الإنسان، وهذه النعمة الكبيرة يجب الحفاظ عليها، وليس للإنسان التفريط في صحته، بَيْدَ أن من يفرط في صحته يفرط في حياته كلها.
يقول الرسول الأعظم : (( خصلتان كثير من الناس مفتون فيهما: الصحة والفراغ )) (1) ويقول الإمام علي : (( الصحة أفضل النعم )) (2) فعلى كل واحد منا استثمار هذه النعمة في العمل الصالح، والتسابق للخيرات، والمسارعة في فعل الطاعات.
والصحة في مفهوم منظمة الصحة العالمية ليست مجرد خلو الإنسان من الأمراض أو الإصابة بالعاهات، ولكنها تعني الصحة الإيجابية وهي: أن يتمتع الفرد برصيد من القوة في وظائف أعضائه بحيث تجعله يتحمل ما قد يتعرض له من مسببات كثير من الأمراض. أو بعبارة أخرى تكون لديه مناعة قوية جداً بحيث يقاوم الكثير من الفيروسات والميكروبات المسببة للأمراض المختلفة.
ويتطابق المفهوم الحديث للصحة مع نظرة الإسلام للصحة من خلال الأبعاد التالية:
البعد الأول: بناء الجسم وتحسين الصحة.
البعد الثاني: علاج وإصلاح ما يصيب الإنسان من أمراض، وهو ما يعرف بالطب العلاجي.
البعد الثالث: حماية الإنسان من الإصابة بالأمراض، وهو ما يعرف بالطب الوقائي.
وما نريد أن نبحثه هو البعد الثالث برؤية دينية، والسؤال الذي يفرض نفسه: ما هو دور الدين في الوقاية من الأمراض المختلفة ؟ وهل يستطيع الدين حمايتنا من الإصابة بالأمراض المتنوعة ؟!
وللجواب على تلك التساؤلات نشير إلى أهمية الالتزام بالتعاليم والوصايا الدينية فيما يرتبط بالجوانب الطبية والصحية التي تساهم في وقايتنا من الإصابة بالإمراض، ويقوي المناعة لدينا.
ولتوضيح الفكرة أكثر نركز على النقاط التالية:
أولاً: العبادات وفوائدها الصحية:
للعبادات الدينية فوائد روحية ونفسية وسلوكية وصحية على الإنسان، فالعبادات تُسهم بدور كبير في الوقاية من بعض الأمراض، وخصوصاً الأمراض النفسية وقد أشار لذلك القرآن الكريم بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (3) فذكر الله سبحانه وتعالى يبعث الطمأنينة في القلب، والسكينة في النفس، والاعتدال في التفكير والسلوك. وفريضة الصلاة تمثل قمة الذكر والارتباط والاتصال بالخالق جل جلاله.
ثانياً: التعليمات الدينية في الأطعمة والأشربة:
يوجد في تراثنا الإسلامي الكثير من التعليمات والتوصيات الدينية فيما يرتبط بتناول الأطعمة و الأشربة بما يقي الإنسان من الإصابة بالأمراض المختلفة. من هذه التعليمات والتوصيات الصحية ما يلي:
أ ـ الاعتدال في الأكل والشرب:
يعد الاعتدال في تناول الطعام والشراب من العوامل التي تحافظ على الصحة، يقول تعالى: ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (4) فالإسراف في تناول الطعام والشراب يؤدي إلى السمنة؛ وهي بدورها تتسبب في كثير من الأمراض : كتصلب الشرايين، والضغط على الجهاز العصبي وغير ذلك من أمراض خطيرة ومزمنة.
والاعتدال في الأكل والشرب هو طريق السلامة والحفاظ على الصحة ﴿ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ .
فالتوصيات والتعليمات الدينية تؤكد على أهمية الاعتدال في تناول الأطعمة والأشربة، لأنه طريق الوقاية من الأمراض، وأهمية الابتعاد عن الإسراف في الأكل والشرب، لأن في الإسراف فيهما الوقوع في كثير من الأمراض المزمنة وربما الخطيرة أيضاً
ب ـ استحباب التسمية والتحميد:
ذكر الفقهاء أن من مستحبات تناول الطعام والشراب تسمية الله عز وجل قبل الشروع في الأكل والشراب، وتحميده بعد الانتهاء منهما، فيقول في التسمية: ( بسم الله الرحمن الرحيم ) وفي التحميد يكفي أن يقول: ( الحمد لله رب العالمين ) فعن أبي عبدالله قال: ((إن الرجل المسلم إذا أراد يطعم طعاماً فأهوى بيده وقال: بسم الله والحمد لله رب العالمين غفر الله عز وجل له من قبل أن تصير اللقمة إلى فيه )).(5) .
و أوضح أمير المؤمنين علاقة التسمية بضمان السلامة من الأمراض، فقد ورد عن أبي عبدالله قال: قال أمير المؤمنين : ((ضمنت لمن سمى على طعام أن لا يشتكي منه، فقال ابن الكوا: يا أمير المؤمنين ! لقد أكلت البارحة طعاماً فسميت عليه فآذاني، قال: فلعلك أكلت ألواناً، فسميت على بعضها، ولم تسم على بعض يا لكع))(6)..

ج ـ الاهتمام بالنظافة:
حَثَّ الإسلام على الاهتمام بالنظافة في كل الأمور والمجالات، وذلك لما للنظافة من فوائد جمة يعود على صاحبها بالجمال والصحة والسلامة من الأمراض، فقد ورد عن أبي عبدالله أنه قال: ((من غسل يده قبل الطعام وبعده عاش في سعة، وعوفي من بلوى في جسده )) (7) وقال 0أيضاً: (( اغسلوا أيديكم قبل الطعام وبعده فإنه ينفي الفقر ويزيد في العمر ))(8).
وقد ثبت علمياً أن غسل اليدين فقط ولمدة دقيقة واحدة يزيل 30 ـ 40 % من البكتيريا الهوائية، وغسيل الذراعين والوجه لمدة 15 ثانية يزيل 60 - 80% من البكتيريا الهوائية في الذراع، و 65 - 95% في الوجه. (9)
فنظافة اليدين، ونظافة الطعام هو شرط رئيس لحماية الإنسان من التعرض للأمراض الخبيثة والخطيرة والمضرة، وهذا ما وجهنا إليه الإسلام عبر تعاليمه وتوصياته الخاصة على العناية بالنظافة في كل الأمور.
د ـ اختيار الغذاء الصحي:
إن المداومة على اختيار الغذاء الصحي يحافظ على صحة الإنسان وسلامته من الأمراض، والغذاء الصحي هو الذي يحتوي على البروتينات والدهون والكربوهيدرات والفيتامينات والماء بشكل متوازن بحيث يلبي كل متطلبات الجسم، ويقوي المناعة لديه.
وفي روايات أهل البيت توجيهات قيمة بأهمية التوازن في الغذاء، وضرورة اختيار الغذاء الصحي المتوازن، فقد ورد عن أهمية تناول الفواكه الكثير من الأحاديث، فقد روي عن الرسول أنه قال: ((عليكم بالفواكه في إقبالها، فإنها مصحة للأبدان، مطردة للأحزان، وألقوها في إدبارها فإنها داء الأبدان )) (10).
وقد ورد في كل نوع من أنواع الفواكه والخضروات أحاديث تفيد باستحباب تناول بعضها وكراهة بعضها الآخر وإن كان قليلاً، فقد روي استحباب أكل الرمان و التفاح والسفرجل والعنب والرطب والتمر والزبيب والتين والبطيخ وغيرها من الفواكه. كما ورد النهي عن تناول التفاح الحامض والكزبرة والبطيخ المر.
هـ ـ أن يكون الطعام من المال الحلال:
للطعام آثار إيجابية أو سلبية على جسم الإنسان وروحه وسلوكه، فإذا كان الطعام حلالاً، ومن مال حلال فإنه يترك آثاره الإيجابية على روح الإنسان كما جسده؛ أما إذا كان الطعام حراماً؛ أومن مال حرام فإن آثاره السلبية تظهر على جسم الإنسان وعلى روحه وسلوكه ولو بعد حين من الزمن.
فإذا أردنا أن نقي أنفسنا من الأمراض المزمنة والخطيرة علينا أن ننفق على أنفسنا وعائلاتنا من المال الحلال الطاهر الطيب، وأن نخرج حقوق الله وحقوق الناس من أموالنا كي تكون طاهرة، كما قال تعالى :﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا (11) .
ثالثاً: الابتعاد عن الذنوب والمعاصي:
حَرَّم الله سبحانه وتعالى اقتراف المحرمات والمعاصي، لما فيه من مصالح ومنافع للناس، فما من شيء حرمه الله عز وجل إلا وفيه فائدة ومنفعة للناس، ومخالفة ذلك يؤدي إلى عذاب الآخرة، وشقاء الدنيا.
إذ أن كثيرا من الأمراض المنتشرة بين الناس سببها الرئيس هو ارتكاب الذنوب والمعاصي والمحرمات والمنكرات، بينما اجتنابها يؤدي إلى وقاية الإنسان نفسه من تلك الأمراض المزمنة.
وقد أخبر رسول الله قبل أربعة عشر قرناً أن الإدمان على الفواحش والتجاهر بها يؤدي إلى نشوء أمراض جديدة لم تكن موجودة من قبل، فقال : (( لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوها إلا ظهر فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن في أسلافهم الذين مضوا ))(12).
واليوم حيث يتظاهر العصاة بالفواحش ظهرت لنا أمراض لم تعرفها البشرية من قبل، وفي ذلك إعجاز لقول الرسول الأعظم ، وأوضح مصداق لقول الرسول الكريم Z هو انتشار مرض الإيدز الخبيث الذي يقتل الإنسان. وهذا المرض الخطير من أهم مسبباته هو ارتكاب الزنا واللواط، فالاتصال الجنسي غير الشرعي يعد من أكثر العوامل المسببة لانتشار هذا المرض القاتل.
وهناك أمراض أخرى خطيرة أخذت تتزايد في العالم نتيجة للإدمان على المعاصي وارتكاب المحرمات.
وإذا كان الوقاية خير من العلاج، فإن طريق الوقاية من مثل هذه الأمراض هو الابتعاد عن الذنوب والمعاصي والمنكرات، والالتزام بما أمر الله تبارك وتعالى واجتناب نواهيه .
ــــــــــ
الهوامش:
1ـ ميزان الحكمة، ج 4، ص 1570، رقم 10154.
2ـ ميزان الحكمة، ج 4، ص 1570، رقم 10147.
3 ـ سورة الرعد: الآية 28.
4 ـ سورة الأعراف: الآية 31.
5 ـ الوسائل، ج24، ص 348، ح 1.
6ـ الوسائل، ج 24، ص 362، ح3.
7 ـ الكافي، الشيخ الكليني، ج 6، ص 304، ح1.
8 ـ الوسائل، ج 24، ص 337، ح 10.
9 - صحيفة الخليج، العدد 5422، وتاريخ 6/10/1414هـ-18/3/1994م.
10 ـ البحار، ج 59، ص 296.
11 ـ سورة التوبة: الآية 103.
12 ـ من الآداب الطبية، السيد الشيرازي، ص 322.


4/4/1428
اضف هذا الموضوع الى: