صفوى: الشيخ اليوسف يحاضر عن قدرة المعوقين على صناعة النجاح
محرر الموقع - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
بدعوة من مركز إيلاف لرعاية وتأهيل المعاقين ألقى سماحة الشيخ عبدالله اليوسف كلمة بعنوان ( المعوقون والقدرة على صناعة النجاح) ليلة الثلاثاء17 رمضان 1427هـ الموافق 10أكتوبر 2006م بمسجد الكوثر بمدينة صفوى، وقد شارك في الندوة الأستاذ عبدالعظيم الصادق (أخصائي في العلاج النفسي) والأستاذ قصي الخباز (أخصائي تربية خاصة)، وأدار الحوار الأستاذ عادل المتروك، وفي نهاية الندوة فتح المجال للأسئلة والمداخلات على ما تم طرحه خلالها.
وإليكم نص كلمة الشيخ عبدالله اليوسف التي ألقيت في الندوة التي تناولت قدرة المعوقين على صنع النجاح:
قد يولد الإنسان سليماً مُعافى من كل الأمراض أو العاهات المزمنة ولكنه قد يُصاب في حياته بعاهة أو نقص أو مرض مزمن، وقد يولد الإنسان وهو مصاب بأمراض مزمنة أو عاهات معينة تفقده الحياة الطبيعية للإنسان السليم.
ولتجاوز ما يعانيه المعاق من مشاكل ومصاعب، بل ومن أجل تحقيق نجاحات باهرة في حياته... عليه اتباع الخطوات التالية:
1ـ الرضا بالقضاء والقدر:
على المعاق أن يرضى بقضاء الله وقدره، لأن الله تعالى لا يقضي إلا بالحق، قال تعالى: ﴿وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ (1) ، كما روى عن النبي قوله: (( قال الله جلَّ جلاله: من لم يرضَ بقضائي، ولم يؤمن بقدري، فليلتمس إلهاً غيري ))(2) ولا يقدر إلا ما كان صواباً، قال تعالى: ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ (3) ولا يفعل إلا ما فيه مصلحة وحكمة للإنسان، فعن الإمام الباقر قال: (( في قضاء الله كل خير للمؤمن ))(4) وعن رسول الله قال: (( عجباً للمؤمن لا يقضي الله عليه قضاء إلا كان خيراً له سره أو ساءه، إن ابتلاه كان كفارة لذنبه، وإن أعطاه وأكرمه كان قد حباه )) (5) .
فعلى المؤمن المعاق أو المصاب بأمراض مزمنة أن يرضى بقضاء الله وقدره، وأن يحتسب ما أصابه عند الله تعالى، فهذا يجعله مستقر النفس، مطمئن البال. أما إذا كان متبرماً ومتذمراً مما هو فيه من عاهات أو أمراض مزمنة فهذا يدفعه نحو الانحدار الشخصي، والانهيار النفسي، ومضاعفة الآلام والأمراض.
ويحدثنا القرآن الكريم عن قصة نبي الله أيوب، وكيف أنه كلما ابتلاه الله أكثر كلما ازداد شكراً لله تعالى، وكان راضياً بالقضاء والقدر، قال تعالى: ﴿وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ (6) وفي حديث عن الإمام الصادق أن رجلاً سأله عن بلية أيوب لأي علة كانت ؟ فأجابه بما ملخصه : إن هذا الابتلاء لم يكن لكفران نعمة ، بل على العكس من ذلك ، فإنه كان لشكر نعمة حسده عليها إبليس، فقال لربه : يا رب إن أيوب لم يؤد إليك شكر هذه النعمة إلا بما أعطيته من الدنيا ، ولو حرمته دنياه ما أدى إليك شكرك، فسلطني على دنياه حتى يتبين الأمر، فسلطه الله عليه ليكون هذا الحادث سنداً لكل سالكي طريق الحق.
فانحدر إبليس وأهلك أموال أيوب وأولاده الواحد تلو الآخر، ولكن لم تزد هذه الحوادث أيوب إلا ثباتاً على الإيمان وخضوعاً لقضاء الله وقدره.
فسأل الشيطان الله سبحانه أن يسلطه على زرعه وغنمه فسلطه، فأحرق كل زرعه، وأهلك كل غنمه، فلم يزدد أيوب إلا حمداً وشكراً.
وأخيراً طلب الشيطان من الله أن يسلطه على بدن أيوب ليكون سبب مرضه، وهكذا كان بحيث لم يكن قادراً على الحركة من شدة المرض والجراحات، لكن من دون أن يترك أدنى خلل في عقله وإدراكه.(7)
والخلاصة، فقد كانت النعم تسلب من أيوب الوحدة تلو الأخرى، ولكن شكره كان يزداد في موازاتها، حتى جاء جمع من الرهبان لرؤيته وعيادته، فقالوا: قل لنا أي ذنب عظيم قد اقترفت حتى ابتليت بمثل هذا الابتلاء ؟ وهنا بدأت شماتة هذا وذاك، وكان هذا الأمر شديداً على أيوب، فقال مجيباً: وعزة ربي إني ما أكلت لقمة من طعام إلا ومعي يتيم أو مسكين يأكل على مائدتي، وما عرض لي أمران كلاهما فيه طاعة لله إلا أخذت بأشدهما عليَّ.
عند ذاك كان أيوب قد اجتاز جميع الامتحانات صابراً شاكراً متجملاً : وهو يناجي ربه بلسان مهذب ودعا أن يكشف عنه ضره بتعبير صادق ليس فيه أدنى شكوى، وفي هذه الأثناء فتحت أبواب الرحمة الإلهية، ورفع البلاء بسرعة، وانهمرت عليه النعم الإلهية أكثر من ذي قبل.
أجل . . إن رجال الحق لا تتغير أفكارهم وأعمالهم بتغير النعم، فهم يتوجهون إلى الله في حريتهم وسجنهم وسلامتهم ومرضهم وقوتهم وضعفهم، وبكلمة واحدة في كل الأحوال، ولا تغيرهم حوادث الحياة، فإن أرواحهم كالمحيط العظيم لا يؤثر في هدوئه تلاطم الرياح العاتية.
كما أنهم لا ييأسون لهول الحوادث المرة وكثرتها، بل يواجهونها ويصمدون لها حتى تفتح أبواب الرحمة الإلهية، لعلمهم أن الحوادث والظروف الصعبة امتحانات إلهية يعدها الله لخاصة عباده ليكونوا أكثر مراناً ومراساً. (8)
فالرضا بالقضاء والقدر يبعث في الإنسان السكينة، وتكون نفسه مرتاحة، وقلبه مطمئن بذكر الله تعالى، وكل هذا يدفعه نحو النظر للحياة برؤية إيجابية، ويحفزه نحو العمل الصالح.
2ـ تنمية المواهب والمهارات:
كل إنسان لديه مواهب ومهارات وقدرات يمكنه أن ينميها، وعلى الإنسان في البداية أن يكتشف مواهبه ومهاراته، والمعوق هو الآخر يمتلك مواهب وإمكانات لو استطاع أن يوظفها في صقل شخصيته وتنمية مواهبه، وتفجير قدراته... فإنه بذلك يصنع النجاح لنفسه، ويتجاوز ما أَلَمَّ به من أمراض وعاهات مزمنة.
وعلى الآباء والأمهات اكتشاف ما لدى أولادهم المعوقين من مواهب ومهارات، والعمل على تأهيلهم علمياً وعملياً كي يمكنهم تجاوز ما قد تتركه العاهات والأمراض المزمنة من أثر سلبي على شخصياتهم.
وكم من معاق أو مريض استطاع أن يحقق نجاحات باهرة قد يعجز الإنسان السليم من مجاراته في ذلك ؟1
3ـ القدرة على التميز والإبداع:
كثيرون هم الذين أصيبوا بعاهة أو أكثر، وكثير من هؤلاء استطاعوا أن يحققوا نجاحات باهرة، وإنجازات عظيمة، وعلى كل الأصعدة، وفي جميع المجالات، وذلك لأن العاهات التي أصيبوا بها، فجرت في عقولهم ثورة التفكر، والإبداع، والابتكار، والاختراع. كما قَوَّت في أنفسهم إرادة التحدي، فواجهوا الحياة بإرادة الإنسان التي لا تتحطم، وهكذا حققوا ما أرادوا.
والأمثلة على ذلك كثيرة، وإليك عينة من هؤلاء النوابغ الذين صنعوا نجاحات باهرة، رغم العاهات التي أصيبوا بها... ومن هؤلاء:
1ـ أبو العلاء المعري: فقد بصره في الرابعة من عمره، ومع ذلك استطاع أن يحرز مرتبة عالية في الفلسفة والأدب حتى عُدَّ من أكابر شعراء اللغة العربية.
2ـ طه حسين: فقد بصره منذ كان طفلاً، ورغم ذلك استطاع أن يصبح عميد الأدب العربي، وأن يؤسس جامعتين، وأن ينتج الكثير من المؤلفات والمصنفات المتنوعة.
3ـ الجاحط: لقب بالجاحظ لأنه كان مشوه الخلق، جاحظ العينين ـ أي بارزهما ـ وكان يقال له الحدقي أيضاً لأنه كان ناتئ الحدقتين. لكن سوء منظره، و ذمامة شكله لم يقعد به عن التقدم العلمي والأدبي، فكتب ما يزيد على الثلاثمائة وستين مؤلفاً في شتى ألوان المعرفة.
4ـ أديسون: كان أديسون مصاباً بالصمم منذ مقتبل حياته، لكن ذلك لم يمنعه من أن يكون من أهم المخترعين في العالم، فقد تمكن من اختراع مئات المخترعات الحديثة، وبالخصوص الآلات الكهربائية، ومنها المصباح الكهربائي.
5ـ روبرت أولمان: كان مكفوف البصر، ولكنه رغم ذلك برز في ميادين الرياضة والقانون، وزاول لعبة المصارعة، رغم عماه.
فالإعاقة والأمراض يجب أن لا تكون عائقاً للإنسان عن التقدم والتميز؛ بل أن ذلك قد يدفع بالمعاق للشعور بالتحدي، وامتلاك إرادة النجاح، وهو ما قد يمكنه من صنع نجاحات عظيمة، وبذلك يكون إنساناً متميزاً ومبدعاً وعظيماً.
4ـ تشجيع المعوقين على العطاء والإنتاج:
للتشجيع أثر فعال في زيادة الإنتاج والعطاء لأي إنسان، والمعوق أكثر حاجة للتشجيع لدفعه نحو العطاء والعمل والفاعلية.
أما الاستهانة بالمعاق، والنظر إليه وكأنه عالة على المجتمع، فهذا يخلق لديه شعوراً بالنقص والدونية، ويقضي على القدرات والمواهب التي منحه الله إياه. ولذلك على المجتمع والأهل والأقارب النظر إلى المعاق كإنسان محترم، وتشجيعه على القيام بالعطاء والإنتاج بحسب ظروفه وإمكاناته، وقد يستطيع المعوق أن ينتج ويعطي أفضل من السليم إذا ما وجد التشجيع الكافي، والتحفيز نحو العطاء.
وينقل لنا التاريخ قصة لتشجيع الإمام الصادق لأحد أصحابه الذي أصيب بمرض في وجهه،(( فقد ظهرت بقع بيضاء في وجه ( يونس بن عمار ) أحد أصحاب الإمام الصادق ، وآلمه ذلك، إلا أنه كان يضيق ذرعاً بالكلمات المسمومة الصادمة من الناس تجاهه، فقد كانوا يقولون له: لو كنت أهلاً لفضل الله وكان الدين الحق بحاجة إليك لما ابتليت بهذا الداء. فتألم يونس من ابتلائه بالمرض، وكذلك من تحقير الناس وإهانتهم إياه تألماً شديداً. وجاء إلى الإمام الصادق وقال: إن هذا الذي ظهر بوجهي يزعم الناس أن الله لم يبتل به عبداً له فيه حاجة، قال: فقال لي: لقد كان مؤمن آل فرعون مكنّع الأصابع فكان يمدّ يديه ويقول: يا قوم اتبعوا المرسلين.
في هذا الحديث نجد الإمام الصادق يرد على كلام الناس الركيك بجملة قصيرة، ويفهم يونس بن عمار ضمناً أنه يتمكن ـ كمؤمن آل فرعون ـ أن يخدم شريعة الله، وأن يكون داعية خير وصلاح بين الناس على ما هو عليه من النقص... وطبيعي أن يخفف هذا الكلام من ألم الشعور بالحقارة فيه من جهة، ويبعث فيه رجاء خدمة دين الله من جهة أخرى )) (9) .
فالتشجيع يدفع الإنسان نحو المزيد من العطاء والإنتاج والفاعلية، في حين أن التثبيط يُحدث عكس ذلك، فعلى المجتمع والأهل أن يشجعوا المعوقين على العمل، ويحفزوهم نحو استثمار ما لديهم من مواهب وقدرات ومهارات، بحيث يمكنهم من خلالها صنع نجاح
ــــــــــــ
الهوامش:
1 ـ سورة غافر: الآية 20.
2 ـ ميزان الحكمة، ج6، ص2579، رقم 16787.
3 ـ سورة القمر، الآية 49.
4 ـ ميزان الحكمة، ج6، ص 2578، رقم 16780.
5 ـ ميزان الحكمة، ج6، ص 2578، رقم 16781.
6 - سورة الأنبياء: الآيتان83-84.
7 ـ انظر نص الحديث في تفسير نور الثقلين، ج4، ص 489، رقم 127ورقم 128.
8 - الأمثل في تفسير كتاب الله المنزل، ج10، ص200-201.
9 ـ الطفل بين الوراثة والتربية، ج2، ص 163.

24/9/1427
اضف هذا الموضوع الى: