رمضان بين السلوكيات الحسنة والخاطئة
الشيخ عبدالله اليوسف - 12 / 11 / 2010م - 7:57 م
وشهر رمضان المبارك يجب أن يُحيتى بالأعمال الصالحة، واجتناب كل مايسيء إلى مكانته وفضله مما يخدش في مفهوم الصيام الكامل، وهو اجتناب كل المفطرات المادية والمعنوية والسلوكية .
وفي مجتمعنا ـ كما في الكثير من المجتمعات الإسلامية الأخرى ـ توجد بعض العادات والسلوكيات الحسنة التي يجب أن تُنَمى وتُقَوَّى، كما توجد في المقابل بعض العادات والسلوكيات الخاطئة التي ينبغي التحلص منها، وإحلال السلوكيات الحسنة مكانها .
السلوكيات الحسنة
توجد في مجتمعنا الكثير من العادات والسلوكيات الحسنة التي يجب أن نسعى لتنميتها، والعمل على الإكثار منها، واستثمارها في خلق جو إيماني وروحي يساعد على تنمية التدين في المجتمع ... ويمكن الإشارة إلى بعض هذه السلوكيات والعادات الحسنة في النقاط التالية:
1ـ تلاوة القرآن الكريم:
ورد التأكيد على فضل تلاوة القرآن الكريم في كل وقت وزمن، ولكنه في شهر رمضان أكثر تأكيداً، وأعظم ثواباً وأجراً، فقد ورد عن النبي قوله : (( من تلا فيه آية من القرآن كان له مثل أجر من ختم القرآن في غيره من الشهور )) وقال الإمام الباقر : (( لكل شيء ربيع، وربيع القرآن شهر رمضان )) .
وفي مجتمعنا نرى في كل منزل ومكان هناك من يتلو القرآن الكريم، إذ عادة ما يلتزم الجميع بقراءة جزء من القرآن ليلياً على الأقل. وهذه عادة حسنة يجب التشجيع عليها، وفي نفس الوقت ينبغي التأكيد على أهمية فهم القرآن، والاهتمام بتجويده وتفسيره، والاطلاع على علوم القرآن حتى يتسنى لقارئ القرآن الكريم معرفة الآيات الشريفة، وإدراك أبعادها وغاياتها وتفسيرها .
2ـ الاهتمام بالفقراء والمساكين:
من العادات والسلوكيات الحسنة في مجتمعنا خلال شهر رمضان الكريم هو الاهتمام بالفقراء والمساكين؛ فعادة ما يهتم الناس في شهر رمضان أكثر من باقي الشهور الأخرى بالفقراء والمساكين ممن هم حولهم، سواء كانوا من ذوي الأرحام، أو من قاطني نفس الحي، أو من أهل المدينة أو القرية مما يضفي جواً من التكافل الاجتماعي العام.
وقد حًثًّ نبينا الأغنياء في هذا الشهر الفضيل على الإنفاق على المحتاجين من الفقراء والمساكين، إذ يقول : (( وتصدقوا على فقرائكم ومساكينكم، ووقروا كباركم، وارحموا صغاركم، وصلوا أرحامكم، وتحننوا على أيتام الناس يتحنن على أيتامكم )) .
وهذه العادة الحسنة يجب أن توظف في دفع عجلة العمل الخيري والتطوعي في مجتمعنا بما يساهم في الارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها الجمعيات الخيرية وكافة المناشط التطوعية.
3ـ تنشيط الزيارات :
ومن العادات والسلوكيات الحسنة في شهر رمضان ما نلاحظه في مجتمعنا من الاهتمام بزيارة الأرحام، وصلة الأصدقاء، وتبادل الزيارات لمجالس الذكر والدعاء، واجتماع الناس في المجالس، مما يضفي أجواءً من الحيوية والتفاعل بين مختلف الشرائح الاجتماعية .
وقد حث النبي على زيارة الأرحام في هذا الشهر المبارك، إذ يقول : ((من وصل فيه رحمه وصله الله برحمته يوم يلقاه، ومن قطع فيه رحمه قطع الله عنه رحمته يوم يلقاه))
كما ورد الحث على زيارة المؤمنين والأصدقاء،فقد روي عن النبي قوله : (( من زار أخاه المؤمن إلى منزله لاحاجة منه إليه كتب من زوار الله، وكان حقيقاً على الله أن يُكرم زواره )) وقال أيضاً : (( الزيارة تنبت المودة)) وقال الإمام الصادق : ((ما زار مسلم أخاه المسلم في الله ولله إلا ناداه الله عز وجل أيها الزائر طبت وطابت لك الجنة)) .
فزيارة المؤمنين والأصدقاء والأرحام لها فوائد عظيمة، لَعًلَّ من أهمها : تقوية العلاقات الاجتماعية، وإشاعة الأخوة بين المؤمنين، وإزالة الضغائن والتشنجات من النفوس، وتثبيت المودة والمحبة بين أفراد المجتمع. ولذلك كله، ينبغي تنمية عادة التزاور بين الناس وخصوصاً في شهر الله (شهر رمضان ) حيث تكون النفوس مهيأة لتبادل الزيارات، ونسيان ما قد يَعْلق بين بعض أفراد المجتمع طوال السنة من سوء فهم، أو حدوث توتر لأي سبب كان .
4ـ الإقبال على صلاة الجماعة :
من العادات والسلوكيات الحسنة في شهر رمضان المبارك أيضاً الإقبال الشديد على المشاركة في صلاة الجماعة، خصوصاً في صلاتي المغرب والعشاء، حيث تمتلأ المساجد بالمصلين جماعة، وهي عادة حسنة، بل إن صلاة الجماعة مستحبة مؤكدة في كل وقت ، ولكن في شهر رمضان يتضاعف الأجر فيها، فقد روي عن رسول الله قوله: (( قد أظلكم شهر رمضان، شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، جعل الله صيامه فريضة ، وقيامه لله عز وجل تطوعاً، من تَقَرَّبَ فيه بخصلة من خير كان كمن أدَّى فريضة فيما سواه، ومن أدَّى فيه فريضة كان كمن أدَّى سبعين فريضة فيما سواه)) .
وهذا الإقبال على صلاة الجماعة في شهر رمضان من السلوكيات الحسنة، ويجب أن يعاهد فيه الإنسان نفسه على الالتزام باتيان صلاة الجماعة في كل أيام السنة لما في ذلك من تقوية للحالة الدينية في المجتمع، وتنمية أواصر الأخوة بين المؤمنين، وخلق الأجواء الإيمانية والروحية في الفضاء الاجتماعي العام .
5ـ تبادل أطباق الطعام:
وهي من السلوكيات الحسنة أيضاً، حيث يتبادل الناس في شهر رمضان المبارك، وخصوصاً بين الأرحام والجيران والأصدقاء؛ أطباق الطعام ، مما ينمي المحبة بين أفراد المجتمع، ويساهم في خلق أجواء من الصفاء النفسي الذي يذيب مشاعر الكراهية التي قد توجد بين بعض الناس لأسباب مختلفة .
وهذه العادة الحسنة تعطي انطباعاً بتماسك المجتمع وترابطه، وتساهم في تقوية النسيج الاجتماعي مما ينعكس أثره على التعامل الإيجابي بين الناس.
وإذا كان الإنسان يتبادل الطعام بعنوان ( إفطار صائم ) فإن له أجراً وثواباً عظيماً كما ورد عن الرسول الأعظم حيث قال : (( أيها الناس : من فًطَّرً منكم صائماً مؤمناً في هذا الشهر كان له بذلك عند الله عتق رقبة، ومغفرة لما مضى من ذنوبه، قيل: يارسول الله ! وليس كلنا يقدر على ذلك . فقال: اتقوا النار ولو بشق تمرة، اتقوا النار ولو بشربة ماء )) .
فلنجعل من تبادل أطباق الطعام بهدف الحصول على الثواب الكبير أيضاً من خلال عقد النية على تفطير الصائمين، وبذلك يحصل الإنسان على الثواب والأجر الجزيل، بالإضافة لما في ذلك من فوائد كثيرة في صناعة التقارب والتواصل بين أفراد المجتمع .
السلوكيات الخاطئة
وبالرغم من السلوكيات الحسنة الكثيرة الموجودة في مجتمعنا أيام شهر رمضان المبارك، إلا أنه في المقابل توجد بعض السلوكيات السيئة، والعادات الخاطئة، التي يمارسها بعض الناس في شهر رمضان الكريم، مما ينعكس سلباً على الأجواء الإيمانية التي يخلقها هذا الشهر الشريف، كما يؤدي إلى ضياع الفوائد المرجوة من مقاصد الصوم وفلسفته.
ويمكن الإشارة إلى بعض هذه السلوكيات الخاطئة ضمن النقاط التالية:
1ـ قلة الفاعلية :
اعتاد الكثير من الناس في مجتمعنا على قلة الفاعلية، وانعدام النشاط، وعدم الإنجاز في شهر رمضان الكريم، فنجد أن الكثيرين يتضاعف نومهم في شهر رمضان الكريم عما في غيره من الشهور، ويصاب العديد من الناس بحالة من الكسل والخمول والملل مما يؤدي إلى تدني إنتاج ما يقوم به الموظف أو العامل أو الطالب عما تعود إنتاجه خلال الشهور الأخرى.
وبنظرة سريعة للتعاليم الدينية نلحظ التأكيد الشديد على أهمية إحياء أيام وليالي شهر رمضان الكريم في العبادة والذكر والدعاء، ومضاعفة الأعمال الصالحة، فشهر رمضان الأعمال فيه مقبولة كما ورد عن النبي حيث يقول: (( وعملكم فيه مقبول، ودعاؤكم فيه مستجاب)) ومادام الأمر كذلك، فيجب على كل واحد منا أن يضاعف فيه العمل الصالح، وأن يحيي شهر رمضان بالعبادة،والدعاء، والاستغفار، والتوبة النصوح.
2ـ الإسراف في الطعام :
من السلوكيات الخاطئة أيضاً أيام شهر رمضان المبارك هو الإسراف والإفراط في تناول الطعام وكأنه يريد تعويض ما فاته وقت النهار مما يضيع على نفسه الفوائد الصحية من الصيام .
والقرآن الكريم يشير إلى حقيقة مهمة وهي أهمية الاعتدال في الأكل والشرب، يقول تعالى : ((وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)) ويقول الرسول العظيم : (( إياكم وفضول المطعم فإنه يسم القلب بالفضلة، ويبطئ بالجوارح عن الطاعة، ويصمّ ُالهمم عن سماع الموعظة )) ويقول الإمام علي : (( من كثر أكله قلت صحته، وثقلت على نفسه مؤونته )) وقال الإمام علي أيضاً : (( كثرة الأكل والنوم يفسدان النفس، ويجلبان المضرة)) وقال الإمام الصادق : (( ليس شيء أضر لقلب المؤمن من كثرة الأكل، وهي مورثة لشيئين: قسوة القلب، وهيجان الشهوة))
لقد أصبح الكثير من الناس يصرفون على أكلهم وشربهم في شهر رمضان الكريم أضعاف ما يصرفونه في غيره من الشهور، وهي نتيجة للإسراف الذي قد يصل أحياناً لدرجة التحريم، والطريف في الأمر أن بعض الناس قد يأكل من الطعام في شهر رمضان أضعاف ما يأكله في غيره من الشهور! كل ما في الأمر تغير أوقات تناول الطعام، فبدلاً من تناوله نهاراً، والنوم ليلاً في الشهور الأخرى، ينام في شهر رمضان نهاراً، ويأكل ليلاً بشراهة أكبر!!
وهذا النوع من السلوك الخاطئ، قد يؤدي إلى انعدام الفوائد الصحية من الصيام، والوقوع في شباك الأمراض المختلفة الناتجة من عدم الوعي الغذائي، وتناول الأطعمة والأشربة بإفراط، وغياب الاعتدال والاقتصاد في المأكل والمشرب .
وما انتشار الأمراض الخطيرة في مجتمعنا كأمراض السكري، وارتفاع ضغط الدم، وتصلب الشرايين، وأمراض القلب ... إلخ إلا نتيجة ـ في أحد أسبابها ـ للإفراط في تناول الطعام، وعدم الوعي الغذائي فيما يجب تناوله يومياً .
وكمثال على خطورة انتشار هذه الأمراض المزمنة، نذكر بعض الأرقام حول انتشار مرض السكري في مجتمعنا ÷فقد أعلن في مؤتمر السكر العالمي الذي انعقد مؤخراً بالقاهرة، عن تصدر المملكة العربية السعودية لقائمة الدول التي ينتشر بها مرض السكري، بعد أن تم تشخيص 900 ألف حالة سكري بالمملكة أي ما يعادل17% من جملة السكان.
كما عقد أخيراً المجمع الطبي بالظهران مؤتمراً بعنوان ( السكري .. آفاق مستقبلية)، أشارت بحوثه إلى مضاعفات مشاكل السكري الخطيرة كالفشل الكلوي والنوبات القلبية وبتر الأطراف.
ففي عام واحد حصلت 13 ألف عملية بتر أعضاء في المملكة بسبب السكري، وفي الرياض وحدها تجري 36 عملية بتر أعضاء يومياً!! وهي نسب أعلى من المعدلات العالمية.
ويشير التقرير السنوي الذي تصدره منظمة الصحة العالمية إلى أن معدل الزيادة السنوية لمرض السكري في المملكة نسبتها 4% أي أن 36 ألف شخص جديد كل عام يصابون بالسكري في المملكة!! والمنطقة الشرقية قد تكون هي الأولى في زيادة الإصابة بهذا المرض ×
ولذلك، يجب أن يكون شهر رمضان محطة للتأمل والتفكر في طريقة تناولنا للطعام، والتدرب على الانضباط في المأكل و المشرب، والاعتدال دائماً في تناول الأغذية، وبذلك يتحقق لنا الفوائد الصحية من الالتزام بفريضة الصيام، وكما قال الرسول : ((صوموا تصحوا)) .
3ـ الإدمان على مشاهدة التلفاز:
يُعَدُّ الإدمان على مشاهدة التلفاز في شهر رمضان المبارك من السلوكيات الخاطئة، إذ يقضي الكثير من الناس أوقاتهم في مشاهدة برامج التلفاز، خصوصاً وأن بمقدور أي واحد منا أن يشاهد مئات القنوات المختلفة، وتتفنن هذه القنوات الفضائية في تقديم الأفلام والفوازير والبرامج التي يغلب عليها عدم الفائدة وبعضها يدخل في قائمة ( ما يحرم مشاهدته ) .
ومن المؤسف حقاً أن يقضي الإنسان الصائم أغلب وقته وهو ينتقل من فيلم لفيلم، ومن برنامج إلى برنامج، ومن قناة لأخرى، وهكذا يحاول البعض أن يقضي على وقته في الإدمان على مشاهدة التلفاز بدلاً من إحياء ليالي وأيام شهر رمضان الفضيل بالعبادة والذكر والدعاء .
وبالطبع لا نقصد من ذلك أنه يمنع على الصائم مشاهدة التلفاز، ولكن المقصود هو أن لايُسرف في مشاهدة التلفاز، وأيضاً أن يشاهد المفيد من البرامج، كما ينبغي أن يقضي الإنسان الصائم جُلَّ أوقاته في الاتيان بالمستحبات، وتلاوة الأوراد والأذكار والأدعية الوارد قراءتها في شهر رمضان الكريم .
إن علينا أن نتوجه إلى الله تعالى في شهر الله، شهر رمضان، الذي (( هو شهر أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار ))
أما الشقي حقاً فهو من يرتكب المحارم تلو المحارم وخصوصاً في شهر رمضان، وكما قال الرسول: (( إن الشقي حق الشقي من خرج منه هذا الشهر ولم يغفر ذنوبه)) وعنه أيضاً قوله: (( فمن لم يغفر له في رمضان ففي أي شهر يغفر له؟!)) .
فلنضاعف أعمالنا الصالحة في هذا الشهر المبارك، عسى أن نفوز برضا الله تعالى ومغفرته ورحمته ورضوانه، وهو منتهى غايات المؤمنين .
الخلاصة
ويعد أن ذكرنا بعض الأمثلة على السلوكيات والعادات الحسنة في مجتمعنا، وكذلك بعض الأمثلة على السلوكيات والعادات الخاطئة، من المفيد لكل واحد منا أن يتساءل مع نفسه! إن كان يمارس السلوكيات الحسنة أم السيئة؟ أم يخلط بينهما؟!
إن شهر رمضان المبارك فرصة لنتدرب في أجوائه الإيمانية على الصبر، وقوة الإرادة، والانضباط في كل شيء، والالتزام بالضوابط الشرعية والأخلاقية .
ليكن شهر رمضان الفضيل محطة لمجاهدة النفس، وممارسة الرياضة الروحية، والارتقاء إلى معالي الكمال المعنوي، والتخلص من الانشداد إلى الماديات في هذه الحياة الفانية.
إننا بحاجة لاستثمار أجواء رمضان الإيمانية في تكريس السلوكيات والعادات الحسنة، والتخلص من السلوكيات والعادات الخاطئة، وتجذير القيم الأخلاقية في البنية الاجتماعية، وإشاعة السلوكيات الحسنة في الفضاء الإجتماعي العام، وبذلك تتحقق الغايات النبيلة من فلسفة الصيام .
1/9/1425